مقالات وآراء

الأربعاء - 08 مايو 2024 - الساعة 08:43 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/مقال لـ"حسن الكنزلي"

عند إسقاط أول قطعة في سلسلة الدومينو؛ يتم نقل الحركة والطاقة منها إلى التي تليها بتأثير الحركة والزخم، وهكذا إلى باقي السلسلة؛ لتتسارع العملية وتحقق تأثيرًا ساحقًا على جميع القطع.
تعد هذه الظاهرة مثالا بارزا للتأثير المتتابع في معظم جوانب الحياة -إن لم يكن كلها-؛ إذ يؤدي حدث صغير إلى سلسلة أحداث كبيرة مترابطة.

وهكذا قوة التأثير التي يمكن أن تكون لدينا على الآخرين؛ فإن سلوكياتنا وأفعالنا يمكن أن تؤثر على الآخرين بشكل مماثل. مما يوجب علينا الحذر في تصرفاتنا وأفعالنا، وإدراك أن كل تصرف يحمل تأثيرًا قد لا يمكن إيقاف انتشاره.

أي إذا قمنا بتصرف إيجابي وأخلاقي؛ فإنه يمكن أن يلهم الآخرين ويحفزهم على اتباع الخير والأخلاق الحميدة. وعلى النقيض، إذا قمنا بتصرف سلبي أو غير أخلاقي؛ فإنه يمكن أن ينتشر ويؤثر على الآخرين بشكل سلبي.

والسلوك والأخلاق هما أساس بناء المجتمع الصالح. فالقيم والمبادئ الأخلاقية تمنحنا التوجيه والتوازن في تصرفاتنا وتؤهلنا لأن نكون نموذجاً حسناً للآخرين. وعندما نتصرف بأخلاق حسنة، ونعيش وفقًا للقيم النبيلة؛ يمكننا أن ننقل هذه القيم إلى الآخرين، ونؤثر إيجابيًا على محيطنا.

لذا، فلنتفقد سلوكياتنا، ونسعى لنكون قدوة حسنة في المجتمع. ولنتأكد من أن نسقط قطع الدومينو الإيجابية والخير، ونحفز من حولنا للقيام بأعمال صالحة. ولنكن وسطًا للخير والأخلاق الحميدة، ونعمل على نشر الإيجابية والتغيير الإيجابي في محيطنا. ولنعمل على بناء مجتمع أفضل من خلال ظاهرة الدومينو في توسيع دائرة قيمنا الأخلاقية السامية.

وهذا هو شأن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وصفهم الله -عز وجل- فقال:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

وبالمقابل ينبغي علينا السعي لإيقاف انتقال التأثير السلبي بإيقاف المؤثر أو أو عزله؛ سواء بالتوبة النصوح، أو أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر. ولا نقف مكتوفي الأيدي حتى يعم تأثيره ويصيبنا شره ولذلك؛ قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}[الأنفال].
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
«إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ العامَّةَ بعمَلِ الخاصَّةِ، حتى يرَوُا المُنكَرَ بينَ ظَهْرانَيْهم، وهم قادِرونَ على أنْ يُنكِروه، فلا يُنكِروه، فإذا فَعَلوا ذلك عذَّبَ اللهُ الخاصَّةَ والعامَّةَ».

ولنظهر سلوكياتنا الحسنة ليراها الناس فيتأثروا بها، ولذلك قال تعالى:
{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

يخيرنا في إظهار أو إخفاء الصدقات. فحين يشيع في الناس الإيثار والعطاء؛ نخفيها؛ حتى لا نقع في الرياء. وحين يسود المجتمع الشح والأنانية؛ نظهرها لنشيعها في المجتمع.

كما أن ذوي الشأن يحسن بهم إظهار محاسن أعمالهم؛ لأنهم محل قدوة. مما يعني قياس محاسن الأعمال على الصدقة في مسألة إخفائها أو إظهارها.

ولننشرها بالأعمال لا الأقوال؛ فذلك أبلغ! وما لم؛ فإن أقوالنا مظنة حبنا الحمد على ما لم نفعل، وقد شنع -تعالى- على ذلك، فقال:
{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188]


بينما سلوكياتنا السيئة يجب أن تكون دوما في الستر؛ لأنها تعبير عن ضعفنا وانهزامنا، ولإن من ابتلي ينبغي أن يستتر في شرعنا؛ ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى؛ إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ».

ومن رأينا منه سلوكا سيئا فلنستره ونخفيه؛ فإن الله ستار يحب الستر، وفي فضحه ولو كان إشاعة كاذبة نشر بوجه آخر للسلوك السيئ، ومساهمة في توسيع دائرته، بتأثير هذه الظاهرة؛ بل هو أيضا حب لها، ولهذا، حذرنا -تعالى- فقال:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

إنه لو أذن الله لأحد أسلافنا القريبين أن يبعث من قبره، وينظر إلى واقعنا؛ لهاله ما سيراه من عادات اجتماعية! نظن أنها تراثا ورثناه من أسلافنا، بينما هي في الواقع اكتسبناها قريبا بشكل متسارع بتأثير هذه الظاهرة حتى صارت وسارت ثقافة سائدة؛ لكنها -للأسف- سلبية، تثقل كواهلنا وتعقد حياتنا! وكان ينبغي قطعها أول ظهورها. ويتحمل وزرها أول من أتى بها؛ وصدق الصادق المصدوق، حين قال -صلى الله عليه وسلم-:
«مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَنْ عَمِلَ بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووز من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
فلنكن قدوة في سن المحاسن، وحواجزا أمام ظهور السيئات؛ ليعم الخير، وننال الأجر الوافر!
والله الموفق!
ودمتم سالمين!