إسلاميات

السبت - 23 يوليه 2022 - الساعة 11:58 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/إعداد القاضي أنيس جمعان

الكثير منا يعرف البطل يوسف بن تاشفين أسد الجهاد والرباط لكن يجهل البعض أميره وقائده الأقدم منه والذي فتح اللَّه على يديه نصف أفريقيا وكان له الفضل في ترسيخ حكم دولة المرابطين المباركة، فكانت له صولات وجولات عظيمة ودخل على يديه الملايين الإسلام إنه أبوبكر بن عمر شيخ قبيلة لمتونه من صنهاجة أحد القبائل البربريه في المغرب الإسلامي، ذلك المجاهد الذي قيل عنه لم ينزل عن ظهر خيله، وذلك الرجل الذي كان إذا دعا إلى الجهاد قام معه نصف مليون مجاهد !!*

*نشأة المرابطين :*
➖➖➖➖
*▪️الشيخ أبوبكر بن عمر اللمتوني هو أحد تلاميذ عبد الله بن ياسين وشيخ قبيلة لمتونه من صنهاجة أحد القبائل البربريه في المغرب الإسلامي، وكانت دولة المرابطين قد تأسست على يد فقيه مجاهد أسمه عبد الله بن ياسين الجزولي، الذي جمع بين العلم والورع والزهد والتأثير والشجاعة والبطولة والجهاد كل ذلك في إناء واحد وهو قلبه، وهدى اللَّه عز وجل على يديه قبائل البربر التي كانت تغط في جهل عميق، وأحيا الشعائر الإسلامية، ونشر الإسلام بين قبائل البربر الوثنية وعمل على انتخاب مجموعة من النجباء والأفاضل وتعهدهم بالتربية وكان أفضل تلاميذ الفقيه المجاهد عبد الله بن ياسين رجل أسمه يحي بن إبراهيم وكان من أخص الناس به ثم تبعه رجل آخر من رؤساء البربر اسمه يحي بن عمر وأتبع الفقيه عبد الله بن ياسين سياسة التربية الشاملة مع أتباعه؛ والتي تقوم علي غرس الإيمان والأخلاق والعقيدة الصحيحة وحب الجهاد في سبيل اللَّه، فنشأت حركة جهادية عارمة وسط قبائل البربر وعملوا على نشر الإسلام بين قبائل غرب ووسط القارة الإفريقية وظل عبد الله بن ياسين وتلاميذه يجاهدون القبائل الوثنية حتى أستشهد سنه 451هـ وقد سبقه في الشهادة أنجب تلاميذه يحي بن عمر ويحي بن إبراهيم ..*

*▪️شنَّ المرابطون عام 445هـ (1053م)، عدة غارات ناجحة ضد خصوم دعوتهم في المغرب الأقصى، لا سيَّما من بطون زناتة، وكانت القيادة السياسية والعسكرية بيد يحيى بن عمر الجُدالي، أخي أبي بكر، بينما كان لابن ياسين القيادة الروحية والعامة، وفي العاميْن التالييْن، أستولى المرابطون على منطقتيْ درعة وسجلماسة جنوبي المغرب، للمرة الأولى، لكن يحيى قُتِل في إحدى المعارك عام 447هـ (1055م)، حينئذٍ أمر عبد الله بن ياسين أن يخلُف أبوبكر أخاه في مواقع القيادة، وقبل أن يسلم الروح أوصى المرابطين بأن يتولى أمرهم الأمير أبوبكر بن عامر اللمتوني أخ الأمير يحيى بن عمر اللمتواني ..*

*أبو بكر بن عمر اللمتوني قائداً للمرابطين :*
➖➖➖➖
*▪️بعد إستشهاد الشيخ عبدالله بن ياسين مؤسس دعوة المرابطين تولى الشيخ أبوبكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين في سنة (451 هـ = 1059م)، وقد كان زعيماً سياسياً وعالماً شرعياً، وخلال سنتين من قيادته لهذه الدعوة الناشئة سجل التاريخ ما يعرف بدويلة المرابطين أو دولة المرابطين الصغرى والتي شملت مساحة صغيرة جداً في شمال السنغال وجنوب موريتانيا ..*

*▪️حين تولى أبوبكر بن عمر اللمتوني قيادة المرابطين، نشط على الفور في أستعادة سجلماسة عام 448 هـ (1056م) التي سقطت مجدداً من جرَّاء الهزة التي أعقبت مقتل الأمير يحيى، ثم أتجه إلى توسيع رقعة سيطرة الدعوة في المغرب الجنوبي للحفاظ على المكتسبات، ومنع سقوطها مرة أخرى، ثم بدأ بالتوسع شمالاً بالتدريج، وفي العام التالي 449 هـ (1057م) أستولت جيوش المرابطين بزعامة أبي بكر بن عمر على منطقة وادي السوس جنوبيْ المغرب، وعاصمتها تارودنت، فانتشرت في الآفاق أنباء دعوة المرابطين، وقوتهم، وعدل أمرائهم، فانضم المئات إلى تلك الدعوة، وتسارع سعي المرابطين لضم المزيد من المناطق المغربية ..*

*▪️شرع أبوبكر في تأسيس مدينة مراكش عاصمةً لدولة المرابطين، في وادي نهر تاسفنت، وأخذ ينظم أحوال الدولة الناشئة، وأوكل قيادة الجيش إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، والذي واصلَ الحروب شمالاً، وأظهر كفاءةً منقطعة النظير في محاربة خصوم المرابطين، ونجح في ضم المزيد والمزيد من الأراضي المغاربية، حتى تكللت الجهود بضم مدينة فاس، حاضرة المغرب الشمالي عام 462 هـ (1070م) ..*

*▪️وأثناء توليه قيادة دعوة المرابطين حدثت فتنة بين بعض قبائل البربر في المنطقة الواقعة بين المغرب وموريتانيا فتوجه أبوبكر بن عمر اللمتوني بقسم من المرابطين ليحلَّ الخلاف، تاركاً زعامة المرابطين لابن عمِّه الأمير الزاهد يوسف بن تاشفين ..*

*▪️بعد أن إستطاع الشيخ أبوبكر بن عمر أن يحل الخلاف، توجه نحو غرب أفريقيا ليدعو أهل هذه المناطق إلى الإسلام، ولقد وجد قبائل وثنية لم يصل الإسلام إليها أبداً، فأقبل الشيخ أبوبكر بن عمر ومعه سبعة آلاف يعلمون الأفارقة الإسلام فدخل منهم جمع كثير وقاومه جمع آخر في حروب طويلة ..*

*▪️في تلك الأثناء حدث ما ليس في الحسبان؛ إذ في العام نفسه، علم أبو بكر بن عمر اللمتوني بوقوع فتنة كبرى بين قبائل لمتونة وجُدالة في صحراء الجنوب، وهي القبائل التي مثَّلت العمود الفقري للدولة المرابطية في بداية نشأتها؛ مما ينذُر بتداعي الصرح الكبير وهو ما يزال في مرحلة البناء، واتَّخذ أبوبكر بن عمر اللمتوني قراراً جريئاً كان له بعيد الأثر في تاريخ المرابطين والمغرب الإسلامي؛ إذ قرر أن يعود بنفسه إلى عمق المغرب الأقصى لرأب الصدع بين القبائل، ولجم الفتنة ..*

*▪️وخوفاً من غيابه لأشهر أو لسنوات في تلك المهمة الشاقة البعيدة، قرَّر أن يوكل قيادة المرابطين إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، الذي أظهر كفاءة كبيرة شهد له القاصي والداني فيما سبق أن أوكلَه له من مهام، بل وصل الأمر إلى حد تطليق زوجته الأثيرة زينب النفزاوية، وتوصيتها بالزواج من ابن عمه يوسف؛ حرصاً من أبي بكرٍ على ألا يعرضها لخياريْن أحلاهُما مر؛ إما تركها في مراكش تقاسي الوحدة لأجلٍ غير معلوم، وإما تعريضها للخطر وشظف العيش في مناطق القبائل المضطربة، وأصطحب أبوبكر بن عمر معه شطراً من جيش المرابطين، ونجح بعد جهودٍ مضنية امتزجت فيها الشدة واللين في قمع الفتنة في مناطق الصحراء الكبرى، وتوحيد القبائل الصنهاجية مرة أخرى تحت الراية المرابطية، وأعاد الأستقرار إلى الجزء الجنوبي من الدولة المرابطية، ثم أخذ يوسع رقعة نفوذ الدولة في مناطق أوسع من الصحراء الكبرى، وغربي القارة الأفريقية ..*

*▪️ظل الشيخ أبوبكر بن عمر يتوسع في دعوته في رحلته الجهادية، وفي سنة 468 هـ = 1076م وبعد خمس عشرة سنة من تركه جنوب موريتانيا وهو زعيم على دويلة المرابطين، يعود إلى المغرب ويرى ابن عمه الأمير يوسفَ بن تاشفين الذي كان قد تركه على شمال السنغال وجنوب موريتانيا فقط أميراً على السنغال، وموريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وعلى جيش يصل إلى مائة ألف فارس يرفعون رأية دولة أسمها دولة المرابطين الكبرى ثم يرى أبوبكر بن عمر ابن عمه الأمير يوسف ابن تاشفين زاهداً تقياً، عالماً بدينه، قد أسس مملكة وملكاً عظيماً، فلم ينازع يوسف الملك وانما أرتد بجيشة مرة أخرى إلى أدغال إفريقيا مفضلاً الدعوة إلى اللَّه وإلى الإسلام، وقام الشيخ أبوبكر بن عمر اللمتوني بعملٍ لم يحدث إلاَّ في تاريخ المسلمين فقط؛ حيث قال ليوسف بن تاشفين: أنت أحقُّ بالحكم مني تستطيع أن تجمع الناس وتملك البلاد أمَّا أنا فقد ذقت حلاوة دخول الناس في الإسلام، فسأعود مرَّة أخرى إلى أدغال إفريقيا أدعو إلى اللَّه هناك، وبالفعل نزل الشيخ أبوبكر بن عمر مرة أخرى إلى أدغال إفريقيا يدعو من جديد فأدخل الإسلام في غينيا بيساو، وسيراليون، وساحل العاج، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغانا، وبنين، وتوجو، ونيجيريا، والكاميرون، وإفريقيا الوسطى، والجابون، وغيرها، فكانت أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية قد دخلها الإسلام على يدِ هذا المجاهد البطل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني، وظلَّ أبو بكر بن عمر لما يقارب 15 عاما ينشط في الحرب والدعوة في تلك الرقعة المترامية من الصحراء الكبرى والغرب الأفريقي، والتي تضم 15 دولة معاصرة، ويُحسَب لجهوده بدء الانتشار الواسع للإسلام في تلك النواحي القاصية، والذي سيتصاعد تدريجياً في القرون التالية، وما تزال معظم تلك الدول ذات أغلبية مسلمة إلى اليوم ..*

*وفاة أمير المرابطين أبوبكر بن عمر اللمتوني :*
➖➖➖➖➖
*▪️وفي عام 480 هـ (1087م)، أي بعد عامٍ من تحقيق دولة المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين أكبر إنتصاراتها العسكرية في تاريخها، وذلك في موقعة الزلَّاقة ضد جيش قشتالة المسيحية الذي كان يهدد باجتياح الأندلس، وإلى الجنوب كثيراً بعيداً عن الأندلس، كان أبو بكر بن عمر على موعدٍ مع القدر، حيث أصابه سهمٌ مسموم نافذ أصابه في إحدى المعارك شمال السنغال في غرب أفريقيا، فسقط شهيداً، في سنة 480 هـ = 1087م، وذلك بمكان يسمى اليوم (مكسم ببكر بن عامر)، بعد أن أستقام له أمر الصحراء كافة إلى جبال الذهب من بلاد السودان واللَّه غالب على أمره، وتقاسم أبناؤه وأبناء إخوته ما كان يخضع لسلطانه من المناطق، ونشط بعضهم في إكمال ما بدأه والدهم، وأصبح يوسف بن تاشفين هو القائد العام للمرابطين، التي علت مكانته بين قبائل البربر عموماً والمرابطين خصوصاً وأحبوه بشدة لعدله وورعه وديانته وحبه للجهاد في سبيل اللَّه، وأصبح المغرب العربي كله تحت قيادته فلما جاءه الصريخ من أهل الأندلس بما جرى لهم من سقوط طليطلة وعدوان الفونسو السادس على المسلمين قرر عبور البحر ونجدة دولة الإسلام بالأندلس ..*

*▪️قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: "أبو بكر بن عمر أمير الملثمين كان في أرض غانة، اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعض غزواته في حلقه فقتلته .."*

*▪️وذكره الدكتور الصلابي في الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين: ((لقد كان أبوبكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين، واتقاهم وأكثرهم ورعاً وديناً وحباً للشهادة في سبيل اللَّه، وساهم في توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام في الصحاري القاحلة وحدود السنغال والنيجر، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعت وأنقادت للإسلام والمسلمين، ودخل من الزنوج أعداد كبيرة في الإسلام، وساهموا في بناء دولة المرابطين الفتيّة، وشاركوا في الجهاد في بلاد الأندلس وصنعوا مع إخوانهم المسلمين في دولة المرابطين حضارة متميّزة)) ..*

*▪️في الختام كان الأمير أبوبكر بن عمر اللمتوني نعم القائد لجموع البربر المجاهدة وكان محباً لنشر الإسلام خاصة وفي منطقة وسط إفريقيا حوض النيجر وبلاد غانا ومالي وغيرها، الذي كلما أرتفع أذان في الغرب الأفريقي، ثقل ميزان أبو بكر اللمتوني عند اللَّه يوم القيامة ..*تعرّف على قصة مجاهد مسلم أدخل 15 دولة إفريقية الإسلام ؟!