مقالات وكتابات


الأربعاء - 23 مايو 2018 - الساعة 12:23 ص

كُتب بواسطة : احمد ناصر حميدان - ارشيف الكاتب


تصاعدت ظاهرة التناقضات واختلطت الأوراق وتردت المفاهيم وارتفع الضجيج بين النخب على اختلافها واختلاف مستويات حضورها داخل النظم أو خارجها، حتى صار المتهم الرئيس هي القيم كالوحدة ثم الحرية والديمقراطية حتى تنكر البعض للثورة واليوم تستهدف الجمهورية .

حالة من الانفصام صنعها المستبد ليحمي منظومة حكمه وسياساته , التي بددت أحلامنا وطموحاتنا منذ قرون , وفي كل مرة يتبنى المستبد تلك القيم ويفرغها من جوهرها لتتحول أدوات استمرار حكمه , وإعادة إنتاج كيانه , بل يهدف لغرس الكفر بتلك القيم في نفوس وعقول الضعفاء .   

في ظل الحرب والصراعات السلبية الدائرة في البلد ,أفرزت قوة تتمثّل في أن المستفيدين من استمرارها  يدافعون عنها بضراوة لحماية مصالحهم الضيقة التي اكتسبوها والفوضى التي تتيح لهم تصدر المشهد, ومشاريعهم الصغيرة والأنانية , طائفية او مناطقية  ، كان لهم بالقيم والثوابت لجعلها موضع شك وريبة , وهذا ما نراها من استثمار سيئ  لمجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي، أنعكس على المجتمع برمته، فتبادل الاتهامات المستمر بين الرؤى المختلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا واجتماعيا والذي وصل حد التكفير والطعن في الوطنية والشرف والكرامة يفتح الباب على مصراعيه أمام التناحر ومن ثم السقوط القيمي للمجتمع .

 ينبغي أن لا تخضع القيم للتغيير الذي من شأنه أن يفقدها نبلها وخصوصيتها ، المتغير هو الإنسان والعقلية والسياسات التي تدير تلك القيم , بمعنى أوضح العيب في منظومة السياسات وليست في القيم ، المؤسف أن تتحول القيم موضوعاً إشكالياً،  في هذا العصر شديد التعقيد، كون عالمنا الحالي شديد التحول، مما يسبب اهتزاز  ثبات القيم ، لتخضع للتشكيل والفرز وفق الأهواء والرغبات ,فهناك قيمة إيجابية ينبغي حفظها، ولكن البعض ينظر لها على أنها قيمة سلبية، فعلى سبيل المثال الإنسان في لحظة ضعفه يطالب بالحرية وينادي بالديمقراطية ومجرد ما أن يمتلك القوة الكافية للخروج من هذا الضعف يكون أول المنتهكين لحريات الآخرين والطاعنين بالديمقراطية , هي مسألة وعي تستطيع من خلالها تحديد الأولويات ومقاومة التناقضات والإرث العقيم , حرية المرأة في العقلية التقليدية تتناقض مع القيم والإرث الراسخ في تلك العقلية , وعلى هكذا تقاس العقليات , من ينتهك حرية الآخرين لا يمكن أن يقبل بالديمقراطية , ولا رهان علية بدولة ضامنة للمواطنة , لان القبول بها معناها خرق للهرمية الثقافية التقليدية والإرث المتوارث , وهو لا يملك الوعي لذلك الخرق ، ففي مجتمعنا الذي تسوده الفوضى والاقتتال والتخلف والجهل ، يسهل تطويعه ليكون أداة لأجندات غير وطنية فاقد الإرادة , وساهمت في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي أفرزت سلوكيات جديدة لم تكن رائجة في أزمنة سابقة، فالمنافسة، والطموح، والوطنية، تتحول إلى فضاء عام تنتج كراهية.

الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي أفرز فهما جديدا للقيم بحيث بدأت تصاغ من خلال وعي جماهيري، وكما نعلم فإن الجماهير تفتقر للوعي النقدي حيث يمكن أن تتخلى عن عقلانيتها نتيجة الحماس الغير واعي .
ومن هنا فإن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت حشودا لا مرئية، تنطلق من عقل جمعي شديد الاضطراب، مما أوجد خللاً قيمياً، ومواجهات الكل بات فيها طرفاً، و تعزز هذا مع غياب المثقف الحقيقي القادر على توجيه الوعي الجمعي، مما أوجد خللا قيمياً أسهم فيها المستبد الذي يتبنى قيما مخالفة لقيم الشعوب التي تعاني من قلق قيمي كون كل فرد بات يملك تفسيرا خاصا به للخطأ والصواب.

التخلف والجهل والعصبية هي البيئة المثلى لهذه التناقضات , حيث تغيب العقلانية والمنطق , وتزدهر الصراعات , فلا تجد تقييم علمي للمشاكل , ويتطاول الجهلة الفاشلون في اجتهاداتهم , فلا غرابة أن تجد من يتهم الثورة والحرية أو الديمقراطية أو الوحدة أو الدولة , ولا يهتم بمنظمة الحكم والسياسات التي تدير هذه القيم , ويكرر نفس الخطاء يتعلق بالشعارات التبسيطية الخلابة التي تسحر الجماهير وتقودها في كفاح فنطازيا بعيدة عن الواقع , تخلق صراعات جانبية  تعبدنا عن المعركة الحقيقية كاستعادة الدولة دون الاهتمام بجوهر هذه الدولة .