مقالات وكتابات


الثلاثاء - 30 يوليه 2019 - الساعة 11:31 م

كُتب بواسطة : وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب


نتحدث هنا عن ظاهرة باتت تؤرقنا وتغض مضاجعنا على الدوام, أنها الطبقية المتزمتة التي لازمت جيل الآباء والأجداد بالماضي, وترافقنا بالوقت الراهن, ويعلم الله أن كانت ساتلاحق أبنائنا بالمستقبل.

فعند النظر إلى طبيعة التركيبة المجتمعية التي سادت مجتمعنا القاطن في جنوب الجزيرة العربية بالقرون الثلاثة الأخيرة, في ظل غياب الدولة المركزية وسيادة القانون, وغلبة الثقافة القبلية, وتمترس السكان خلف العصبوية القبلية والمناطقية, وظهور قوانين بدائية متعارف عليها تنظم طبيعة العلاقات بين السكان ونمط التعايش.

فظهرت كنتيجة طبيعية لهذا الواقع المعقد طبقة بيروقراطية جعلت من نفسها صاحبة الدور الأهم في الحرب والسلم, وأصبح لها جولة وصولجان في ذاك الزمان, أنها يا أخوة طبقة السادة.
هذه الطبقة ينتهي أصلها عادة بقريش, وقد ينتهي المطاف بهؤلاء ببني هاشم, ويشاع على انتمائهم للحسين بن علي رضي الله عنهما وأرضاهما, في حين أن طبقة الأشراف تنتهي أصولهم بالحسن بن علي رضي الله عنهما وأرضاهما, ليس هذا موضوعنا حتى نسهب بالحديث حوله كثيرا, فالكلام فيه يطول, ولكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن طبقة السادة ودورها السلطوي والاستعلائي بالمجتمع في ذلك الحين.

لقد كانت طبقة السادة بمختلف مسميات أتباعها المحلية, طبقة متفردة ويُشار لها بالبنان, فضلا عن مكانتها الاجتماعية المرموقة, فكلمة أعيانها ورموزها مسموعة لدى الجميع, كما أصبح لوجودها دلالات دينية بالغة لدى السكان, و نُسجت حولها هالة من القداسة والتبجيل.

لم تكتف تلك الطبقة وأقصد هنا السادة بلعب أدوار دينية نظرا لمكانتها لدى الناس في تلك الفترة, بل تجاوزت ذلك البعد, وتعاظم نفوذها حتى صارت طبقة ارستقراطية بامتياز وتسيطر على الكثير من مقدرات الحياة المعيشية المختلفة في ذلك الحين.
حيث آلت لها ملكية مساحات واسعة من العقارات والأراضي الزراعية, وأعطت لنفسها الحق بالتنفذ في أي أرض بور, كما بسطت نفوذها على أراضي وممتلكات الأوقاف, وجعلت لنفسها الحق بأخذ زكاة الأرض أو ما كان يطلق عليه العشير, وكانت أيضا تتولى عملية جباية الصدقات والتصرف الكامل بها بعيدا عن أية معايير موضوعية, بالوقت الذي كان فيه الفقراء يتضورون جوعا, وليس بمقدورهم الحصول على بعض مافرضه الله لهم من أموال الزكاة والصدقات, أمام عنجهية وجبروت هذه الطبقة المتنفذة وصاحبت الدور الانتهازي.

فهل يمكن وصف ما ذكر بأقل من الاستبداد والاستغلال والاستعلاء؟.

ولكن وبعد أن تخلص مجتمعنا من تبعات تلك الحالة الطبقية الغريبة, هانحن اليوم نواجه شريحة مجتمعية تسعى وبقوة للوصول بنفسها لمكانة ونفوذ مشابه لما كانت تتصف به طبقة السادة.
نشير هنا إلى عناصر تنتمي للتيار الديني لا أقصد هنا جميع المنتميين لهذا التيار.
هذه العناصر استغلت مكانتها بالمجتمع وحضورها بين الناس, وعملت على التغلغل في أوساطهم وتوسعة نفوذها, فسعت جاهدة إلى تعميق علاقاتها مع رجال المال والتجار ورجال الخير والتقرب منهم, للحصول في النهاية على ودهم وثقتهم.
فعملت بقوة على توجيه نشاطاتهم الخيرية نحو تمويل الجمعيات التي يرأسونها, والمراكز والأعمال التي يديرونها, دون الاكتراث لأي تداعيات قد تنجم عن تلك الممارسات الخاطئة.
فأصبحت تبعا لذلك معظم أموال الزكاة والصدقات تذهب إلى أيدي هؤلاء, ومع بالغ الأسف يعملون على تصريفها بالوجوه التي يرغبونها, وإنفاقها على من تربطهم بهم بعض صلات القرابة أو تجمعهم مصالح معينة.

فانتشر مع ذلك الوضع المقلوب جيوش جرارة من الفقراء المعدمين, وازدادت لذلك أعداد الجياع, ولم تجدي أموال رجال الخير والأغنياء نفعا بالتخفيف من معاناة السكان المتزايدة, في ظل هيمنة ونفوذ تلك الطبقة, التي كرست جل جهودها في تقوية شوكتها.

فأصبحنا أمام مجتمع تحكمه شريعة الغاب, أقلية صغيرة من سكانه تعيش في غنى فاحش, وأكثرية ساحقة تقبع في فقر مدقع.
فهل آن الأوان للتخلص من الفوارق الطبقية اجتماعيتها والاقتصادية؟.

والله على ما نقول شهيد.