مقالات وكتابات


الأربعاء - 16 يونيو 2021 - الساعة 05:51 م

كُتب بواسطة : عمار بن ناشر العريقي - ارشيف الكاتب


1- شكوىٰ تبلغُ حدَّ المعاناة.. ربما صارت تشكل ظاهرة تزيد من حدة الضغوط لدىٰ البعض أو الكثير من الآبآء الفضلآء من الدعاة وغيرهم في كونهم في وادٍ بينما أبنآؤهم في وادٍ آخرَ.
"سارتْ مشرقةً وسرتُ مغربًا
شتانِ بين مشرقٍ ومغربِ".
- تتلخص هذه الأزمةُ في ضعف التزام بعض او الكثير من الأبنآء في مجالات التحصيل الدراسيّ أوالاستقرار النفسيّ أو الالتزام الدينيّ بالفرائض والأخلاق، كالبر والصدق وفي تحصيل العلم الشرعيّ والوعي السليم... لاسيما مع مافُطِر عليه الآبآءُ من حرصهم علىٰ أن يكون أبنآؤهم أفضلَ من غيرهم، بل وحتىٰ من أنفسهم،ولما كان الدعاة - خصوصًا - أكثرُ طموحًا وحرارةً وحرقةً ، فلا عجب أن يصابوا بخيبة الأمل والشعور بالقهر والحسرة حين يرون رؤوسَ أموالهم وهم يفقدونها، وفلذاتِ أكبادهم وهم يفتتونها، وأقربَ الناس نسبًا ورحمًا إليهم أبعدَ الناس دينا وخلقا عنهم {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
وهو ماعبر عنه الشاعر بقوله :
"وظُلمُ ذَوي القُربى أشدُّ مَضاضَةً
على المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهنّدِ".
هذا و الأبنآءُ تحت كنف وسلطان آبائهم مازال، فكيف لو استقلوا بعيدا عنهم كيف يكون الحال والمآل؟ !! إلا أن يلطف القدير وهو بذلك جدير سبحانه.
"ومن العجائبِ والعجائبُ جمة
قربُ الحبيبِ وما إليه وصولُ
كالعيس في البيدآء يقتلها الظمأ
والماءُ فوق ظهورها محمولُ".
" بِكُلٍّ تَداوَينا فَلَم يُشفَ ما بِنا
عَلى أَنَّ قُربَ الدارِ خَيرٌ مِنَ البُعدِ
عَلى أَنَّ قُربَ الدارِ لَيسَ بِنافِعٍ
إِذا كانَ مَن تَهواهُ لَيسَ بِذي وُدِّ".

2- ولاشك أن بداية الحلْ بالاعتراف بخطورة هذه الظاهرة وتحمل أمانتي مسئوليتها وعلاجها، ولنقل بكل صدق وشجاعة وتواضع:
" زرعتُ الشوكَ من شجرٍ غرستُ جذورَه بيدي.
"فأدماني وأوجعني ووخّز شوكُه جسدي"
أنا المسؤولُ عن ذنبي بما فرطتُ عن عمد".
فمما يزيد الطينَ بلة، والمرضَ - كما يقال-علة، أن يبذلَ بعض الآباء جهودًا في التربية قليلة هزيلة ثم يتذرع بأعذار عليلة.. يدرك كل عاقل - لسوٓء تأويلها وتنزيلها - أنها (كلمات حق لكن يراد بها الباطل) ، وذلك حين تراهم لأبنآئهم يهملون، ثم بالمقادير، وكون الهداية بيد الله وحده، أو بتغير الزمن وحدة التحديات وفساد الواقع والسياسة والإعلام يتذرعون، والتمثيل بماجرىٰ من تكذيب أقوام وأهل الأنبياء لهم كآزر والد الخليل إبراهيم وزوج وأولاد نوح ولوط عليهما السلام ، وكذا تكذيب عمي النبي - ابي طالب وابي لهب - له صلى الله عليه وسلم، ومواساة الرب تعالى له : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ونسي هؤلآء بأن صريح الآية وواقع الحال والسيرة يدل على اجتهاد الأنبيآء في هداية أقوامهم وأهليهم ولم يهملوهم او تشغلهم تجارة او بيع او حتى عبادة و دعوة غيرهم عنهم، كما لايجوز لداعية عاقل فاضل أن ينشغل بالمفضول ويقدمه على الفاضل، وقد تقرر في قواعد الفقه: (مراعاة فقه الأولويات - بتقديم الأهم على المهم، كتقديم التربية على التعليم، وحفظ الدين على حفظ المال، و الخاص على العام، و الفرض العيني على الكفائي.. )، فتربية وإصلاح النفس ثم الزوجة والأبنآء أولىٰ الحقوق والمصالح و الواجبات، ولاينبغي ان تشغلنا عنهم سآئر الأعمال والأعذار ثم نتذرع بالظروف والأقدار
تبكي مثلَ النسآء مجدًا مُضاعًا
لم تحافظ عليه مثلَ الرجال.
إنك لاتجني من الشوكِ العنب!!
قال تعالىٰ : (.. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.. )، وصحّ في الحديث :(إنّ لأهلك عليك حقًا.. ) رواه البخاري.
وفي الصحيحين : (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٍ عن رعيته..فالرجلُ راعٍ.. والمرأةُ راعيةٌ.. )الحديث.
وقال تعالىٰ : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) فقد دلت الآية الكريمة على مزية تخصيص الأهل بالدعوة والتنصيصِ على الصلاة؛ كونها أظهرَ شعائر الدين والصلة برب العالمين(وأمرْ أهلك بالصلاة)، وكذا مجاهدة النفس في التحلي بالقدوة الحسنة (واصطبر عليها)، وفي قوله : ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) أي : لا نكلفك أن ترزق أحد من الخلق ولا نفسك، وإنما العمل الصالح، ثم العاقبة - وهي الخاتمة الجميلة المحمودة - لأهل التقوىٰ، كما وأنه إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب).
وفي معناها في الدلالة على الجمع بين واجبات النصح والصلاح والقدوة قوله تعالى : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) ؛ إذ القدوة الصالحة طريق للقيادة الصالحة ، ولايخفى أن الطفل بطبيعته لمّاحٌ، والوالدان وخصوص الأب محلّ نظره وفخره وقدوته إن خيرا أو شرا!!
"مَتى يَستَقيم الظلُّ وَالعودُ أَعوج؟
وهل ذهبٌ صرفٌ يساويه بهرجُ" ؟!!
"مشى الطاووس يومآ باختيالٍ
فقلّد شكلَ مشيتِهِ بنوهُ
فقال علامَ تختالون قالوا:
بدأت به و نحن مقلدوهُ.
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا
عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتىٰ بِحِجىً وَلَكِن
يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ.

- ومن جميل وصايا لقمان لابنه هذه الوصايا الجامعة: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الآيات.
و اما التذرع بتغير الزمان
وفساد الواقع .. الخ، فالابتلآء سنةٌ كونيةٌ ينبغي أن تزيد من استشعار المسؤولية ومن مواجهتها بسنن التغيير والمدافعة والتدرج وهي فرآئض شرعية وضرورة واقعية (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
"قد رشَّـــــــحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لــهُ
فاربأْ بنفســــــــكَ أن ترعى مع الهَمَلِ".
وليس على العبد من الواجب إلا بذل الوسع والقدرة ، فإن لم يتحقق مقصوده سقط عنه التكليف والحرج، قال تعالي: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقال الشاعر :
" على المرء ان يسعىٰ إلى الخير جهدَه
وليــس عــليــه ان تــتــمّ المــقــاصــدُ".
وأخيرًا .. فمن لوازم العلاج: العنايةُ بالتربية قولا وعملا ومهارة وفنًا، بضرورة متابعة الآبآء- و الدعاة خاصة- للبرامج التربوية التي تُعنىٰ بتربية الأبنآء وفق منهج الشرع ومعطيات وتحديات العصر - وليس هنا محل بيانها - "، وذلك من باب (مالايتم الواجب إلا به فهو واجب) و(الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد)، مما يستلزم علينا نحن الآبآء والمربين :تنميةُ المهارات وتوسيع دائرة الثقافات لاسيما المتعلقة بمعرفة النفسيات والأحتياجات لأبنآئنا ومراحل نموهم العقلية والنفسية والعاطفية والفروق الفردية والتفرغ - ولو ساعة في اليوم أو الأسبوع- بتخصيص وقت أكبر لهم بالتودد لهم والتوجيه بالمجالسة والمحاورة وتعهدهم برفق بالمتابعة؛ فالفراغ نعمة، لكنه عند تضييعه ضياع ونقمة، وهو إن لم يُشغل بالحقْ شُغل - ولابد - بالباطل.
"ومن رعىٰ غنما في أرض مسبعةٍ
ونام عنها تولىٰ رعيَها الأسدُ"
-ولا غنىٰ لنا قبل كل شيء وبعده من اللجوء إلى اللطيف الكريم بالاستعانة به ودعائه سبحانه : (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) اللهم آمين.
والله الموفق والمستعان.

عمار بن ناشر العريقي
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1441