مقالات وكتابات


السبت - 27 مارس 2021 - الساعة 03:58 ص

كُتب بواسطة : عارف السنيدي - ارشيف الكاتب


عشت منذ طفولتي ونعومة أظافري حياة منعزلة بعيد عن ضوضاء الحياة وصخبها فلا أصدقاء ولا أمسيات أقارب ولا حتى شقاوة صبى!!

كانت كل تحركاتي محصورة جداً ما بين المدرسة والمنزل والمسجد فقط فحياتي خالية ولا تزال حد اللحظة خالية من المنتزهات والرحلات والمناسبات أو الفعاليات!!

إستمر هذا النهج طوال سنين عمري وطوال مراحلي جميعها فابتداء بالإبتدائية ومروراً بالأساسية والثانوية وانتهاءاً بالجامعة والتي ما إن أتممتها إلا ويكمل مشوار حياتي الساكنة نزوح خالي من كل طقوس الحياة فلا تلفاز ولا راديو ولا صحف ولا أصدقاء ولا حتى بشر في ذلك الريف - مسقط رأسي - الذي أُجبرت على النزوح اليه بسبب إندلاع حرب 2015م التي أعادت رسم خارطتي السياسية وأزاحت لي الستار عن مفاهيم كانت محط حيرة لدي.

وضعت الحرب أوزارها وعدت إلى محبوبتي عدن حاملاً في صدري الفُ الفُ هدف وطموح راسماً خارطة حياتي بعناية شديدة فتغيرت حياتي بعد الحرب رأسا على عقب وتحولت حياتي الساكنة إلى حياة ديناميكية مصطخبة بالأحداث والمهام والإرتباطات التي ألجمت أنفاسي وقلصت بشكل كبير جداً قدرتي على إهدار الوقت أو ضياعه في ما لا يفيد حتى أصبحت لأ أطيق تحمل الأسئلة الشخصية التي تخص تحركاتي اليومية والتي أشعر أنها لا تضيف أي فائدة لأحدهم إن سألني بها!!

وبمجرد أن يُطرح علي سؤال ولو كان عفوي أو عابر مثل " أين ستذهب؟ ، أين كنت؟ ، ماذا عملت خلال اليوم ؟ وغيرها من الأسئلة الروتينية التي في حقيقتها هي من منطلق الإطمئنان عني ومعرفة أحوالي حتى أشعر بالإنزعاج وبشدة من هذا النوع من الأسئلة من أي أحد كان ليس لعدم رغبتي في إظهار الحقائق ولكن لترابط الأحداث وتداخلها مما يجعل الإجابة مطولة وتستدعي ربطها بأحداث ومعلومات أخرى لكي تكتمل الصورة وتصبح الإجابة شافية للسامع الأمر الذي يتطلب مني جهد ذهني يسبب لي إزعاج لعدم إمتلاكي للوقت والنفس الكافي للإجابة عن كل ذلك.

كم هي المرات التي أجبت عن هذه الأسئلة والضجر يقتلني وكم هي أكثر المرات التي تجاهلت إجابة مثل هذه الأسئلة خاصة إن مصدر هذه الأسئلة هم الأهل!

ومع مرور الأيام ترعرعت في كنفي محققة أطبقت علي في أسئلتها بشكل مهول فبمجرد أن ألتقط نظارتي أو أغير موضع مفتاح سيارتي أو حتى أضع قلماً في جيب قميصي أو حتى أعدل وضعية جلوسي إلا وتبادرني بالسؤال:
"ما الذي تنوي فعله؟
وإلى إين ستذهب؟ "
حتى وإن كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجراً وحتى إن كانت كل الدلائل لا تشير إلى رغبتي بالخروج أو في القيام بأي شي فهي لا تتوارى أبداً عن طرح السؤال ، وليس هذا فحسب بل ما من عودة أعود بها إلى المنزل إلا وتبادرني بالسؤال:
" أين كنت ومع من كنت ولماذا وكيف...؟" وهلم جر من الأسئلة الخانقة!!
وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد بل إن كل إتصالاتي الهاتفية ورسائل محادثاتي كلها تخضع للأسئلة من قبلها وبشكل مفصل وبطريقة يجب أن تحظى بقبولها وما لم فإني أُجبر على الإجابة بشكل أوضح وأوسع!!

الغريب في كل ما سبق هي طريقة إجابتي لكل تلك التحقيقات والتي أقابل كل تلك الأسئلة برحابة صدر بل وبحب وحنان منقطع النظير في إجابتي لها بل وأخبرها بما لم تسأل عنه وما لم يخطر ببالها وكأن روحي متشوقة إلى إسئلة أخرى لم تسألني بها!!!

من يستطيع قتل الحيرة في داخلي ويخبرني كيف استطاعت هذه الأميرة إحتلالي والعبث بكل أمزجتي وترويضي على هواها ؟؟

من يستطيع أرجوه أن لا يبخل عليّ!!

#حبر_سنيدي
26 March 2021