حوارات وتحقيقات

السبت - 26 نوفمبر 2022 - الساعة 07:51 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب_د.علي البكالي

الجماهير الأوروبية المشجعة في مونديال كأس العالم بقطر ترتدي زي الحملات الصليبية التي دشنتها الكنيسة والممالك الصليبية في القرون الوسطى ضد العالم العربي والإسلامي.

أوروبا وأمريكا تشعر بخطر المنافسة التاريخية حتى في ميدان كرة القدم، وتستدعي موجهاتها القومية والكنسية لمواجهة الصعود الأسيوي والافريقي.

الصعود الصيني في ميدان النهضة، والصعود العربي في ميدان النفط وكرة القدم، كشفا الوجه الحقيقي للعالم الغربي الذي يسم نفسه بالعالم المتقدم وقائد الحضارة الإنسانية، وها هو اليوم في اتفه موقف يعود مسرعا إلى الحملات الصليبية التي شكلت روحه القومية ونزعته العدوانية ضد الشرق في العصور الوسطى.

إلى الذين انخدعوا وسوقوا لخدعة الحضارة المعاصرة والإنسانية الأخيرة واالمدنية الموحدة.

الأمم مهما تلبست مسوح القيم الإنسانية لا تنسى موجهاتها القومية وروحها التاريخية، وإنما تغطي بشعارات الأنسنة سلوك الاستعلاء والسيادة الكونيالية لنزعتها القومية، ذلك إن المسحة الإنسانية تكسبها فرصة القابلية لدى الغير، وهو ما يتيح لها اختكار عوامل القوة والتفرد، واستغلال الأمم المتأخرة عنها لأقصي مدى.

كل الحضارات الكبرى عبر التاريخ سلك لحظة تفوقها مسلك الأنسنة كمتهجية لإمتصاص دوافع المنافسة، ونشط مثقفوها للتنظير للروح العالمية والقيم الكونية والإنسانية السعيدة، في ظل نموذجها الفريد، وتبرير كل سلوكياتها الاستعمارية والاستغلالية وتدخلاتها الفجة في شؤون الغير، بأنها من أجل خير ومستقبل البشرية الواحدة.

وربما ألصقت بغيرها تهمة التآمر على الإنسانية السعيدة، لأن غيرها ينادي بإحترام الخصوصيات التاريخية للأم واستقلال وسيادة الدول!

لكنها ما إن تشعر بوجود قوة صاعدة منافسة لها على الحقيقة، حتى تكشف عن وجهها الحقيقي وتستدعي روحها القومية، وتضع كل القيم الدعائية جانبا مستعيضة عنها بلغة القوة والتهديد، وحتى لو كلفها ذلك دمار البشرية.

وإذا كانت كل الحضارات الكونية ما قبل النموذج الغربي المعاصر كانت في مراحل استعلائها تلبس شخصيتها القومية حلة إنسانية إما بدافع الموجه الديني أو السياسي، فإنها حينما قهرت منافسيها، تقبلت وضعهم المختلف، دون أن تلغي خصوصياتهم الثقافية، ولم تنكر حضورهم التاريخي في حقب سابقة، كما لم تخضع الأمم لعمليات استلاب حضاري وثقافي ممنهج تنقلها من وضع الاستقلال والحرية إلى العبودية والتبعية القهرية.

بخلاف النموذج الأروامريكي الذي ألغى كل الأمم والحضارات، وجعل نفسه مبتدأ التاريخ ونهايته، وسلك مسلك القهر لإرغام الأمم على الإندماج بشخصية الاستعلائية، مع إلزام العالم البقاء متخلفا فقيرا جاهلا، تمزقه الصراعات والحروب المفتعلة، عالم ثالث بلا حرية ولا استقلال ولا تحضر ولا مدنية، حسبه أن يظل موضع الاستغلال والاستعباد والتبعية.

وبمعنى أخر مسخ مستلب لا يعرف ذاته ولا يملك طريقة للحاق بركب التحضر والمدنية.

ومن هنا فإن القانون الطبيعي والمنهج العلمي للوصول لإنسانية كريمة، لا يأتي عبر تعميم قيم مستعلية، أو فرض أذواق حضارة ما على العالم، مهما كانت براقة، لأنها حتما تستبطن سلوك القوة المهيمنة وموجهاتها القومية واحقادها التاريخية، ونزعتها الاستغلالية، ولكن الكريق لإنسانية كريمة يأتي عبر عملية تكاملية تشاركية، تحترم الوجود الحضاري والخصوصية الثقافية لكل الأمم في إطار التنوع المتوازن الذي يدفع عن الحضارة نزعة العدوان وسلوك الإلغاء وغريزة التوحش.