حوارات وتحقيقات

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020 - الساعة 12:46 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب/نزيه مرياش

أقبل علينا رجلاً في العقد الأخير من عمره ، يتكاء بيده اليمنى على عكاز ، قد تساعده في حمل أثقال هموم الحياة، وأعباء تدهور العافية ، اللذان كانا السبب الرئيسي في أنتشار التجاعيد على وجهه اليأس الحزين ، حيث تحمل إحد تجاعيد وجهه مآسي الحروب المتفاوتة ، والأخرى تحمل ألأم الحياة المعيشية القاسية ، والأخرى تحمل ندبات جروح ، نقشت من دموعه التي سالت بسبب أستشهاد أبنه ، و الأخرى تحمل مظالم أبناء أبنه الشهيد ..
أستطاع و بصعوبة ، و معيق كل المعوقات من كبر سنه ، وتدهور صحتة ، وقلة خبرته في طرقات مدينة عدن ( لأنه من أبناء الريف ) أن يصل إلى دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة والمقاومة الجنوبية ، ليشكو مظلمته التي لم يجد لها منصف على طول السنين الماضية ، والتي قسمت ظهره ، وصارت لسنين تؤرقه في منامه ، ليخبرنا بمظلمة أبنه الشهيد ، ويشرح لنا ، علماً بأن بعض من أجزاء جسده ترتعش ، ليس من مرض ولكن من قهر وألم ، إن لم يكن إنهيار عاطفي عصبي ممزوج بوجع دثين في جسده بسبب وزن أثقال مظلمته ، ويقول : لي أبن من خريجي الكلية العسكرية ولديه رتبة ضابط ، ولكن بدون راتب ، وهذا السبب الرئيسي الذي جعل أبني أن يضطر و يذهب الى معركة المخاء مغصوب ، لأجل أن يستلم الألف الريال السعودي ، ليملأ بطون أطفاله ويسكت أوجاعهم ، ولكن شاء الله له أن يستشهد في المعركة ، لتبدأ المعاناة تحيك الثوب من خيوط هموم أبناء الشهيد ، وتلبسه لهذا الكاهل ، وقال أيضاً : وأنا أتيت اليكم ليس طمع في راتبه ، لأني ربما قد أفارق الحياة اليوم قبل غداً ، ولكن الذي فرض علي أن أحضر اليكم والبحث عن حل لهذه المظلمة ، وتحمل كل هذه المعوقات ، هم أبناء أبني الذين بعد وفاتي ليس لهم معيل ولا راتب ، وإني أعاني من هذه المعظلة منذ أستشهاد أبني رحمة الله عليه ، و بينما يقص لنا مظلمته ، سالت دموعه بغزارة ، وحنى رأسه بستحياء ، لكي لا نرى دموعه التي كانت الرشاش المطري الذي سبق أمطار دموع كل أعضاء لجنة المتظلمين العسكريين ، ليبدأ كل عضو من أعضاء اللجنة بسرد قصة المظلمة التي كتب عنها في أستمارة المظلومين ، فإحد القصص تعصرك حزناً ، لأن قائد اللواء لم يصرف راتب الشهيد بداعي أن أسم الشهيد سقط وهو لم يسقط ، فأي أخلاق هذه ، و القصة الأخرى يقشعر جسدك منها ، بسبب أن القائد حرم الجندي من راتبه بداعي أنه مسجل فرار ، علماً بان الجندي قد خسر قدماه بسبب لغم أرضي ، وقد حضر ليستلم راتبه محمول على الأكتاف ، فأي جرم هذا ، والأخرى تبكيك دماً ، والسبب أن القائد خصم الراتب كاملاً على الجندي لأنه رفض أن يقاتل في الحرب ، ويقتل أخوه الجنوبي ، فقادتنا ، عفواً أقصد غزاتنا ، لم يبدعوا بأي شيء في السلك العسكري سوى بالطرق والحيل لحرمان الجندي من راتبه سواء كان حي أو ميت ، فأي عالم نعيش فيه ، أظن بل متأكد ، بأن عالم الحيوان أفضل لأنهم لا يعقلوا ولا يفقهوا الدين ، بل أرحم لأن الله سن عليهم أكل بعضهم البعض ليعيشوا ، فبرغم أنهم حيوانات ولكن لا يأكل الحيوان حيوان أخر من نفس الفصيل ، بل يأكل من فصيل أخر ، وإن حدثت ستحدث بالنادر ، ففي عالم الأنسان ، وبرغم أن الله ميزنا بالعقل ورزقنا بالدين الذي يحرم الظلم ، ولكن يظلم الظالم المظلوم حتى إذا هم من نفس المنطقة ، ويظلمه بالتجويع حتى الموت وإن مات الجندي لا يكتفي الغازي إلا بموت أبناء الشهداء بحرمانهم الراتب ....
فقصة الكاهل كانت الحلقة التي تربط الحلقات الأخرى ، وتبدأ الحلقات بتشكيل السلسلة التي شدت أزر أعضاء اللجنة ، لتحفزهم أكثر وأكثر ، ليستمروا في هذا العمل الأنساني ، شاء من شاء وأبى من أبى دون توقف ، متسلحين بأقوى سلاح ضد أسلحة الظالمين ، وهو سلاح دعاء المظلومين لهم بالخير ، وذخيرة كسب رضاء الله عليهم ، بعكس الظالمين الغزاة ...
قال تعالى : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )