مقالات وكتابات


السبت - 02 يونيو 2018 - الساعة 02:17 ص

كُتب بواسطة : سعيد النخعي - ارشيف الكاتب


جيل الجمهورية يقاتل من أجل استعادة الملكية ، وجيل الوحدة يقاتل من أجل الانفصال ، كما ركب قبلهما السطان ، والأمير ركب الثورة التي اجتثت سلطنته أو إمارته ، أو مشيخته .

مشكلة الأجيال اليمنية القديمة الجديدة هي الجهل ، وسيطرت العواطف على العقول ، حتى غدت عقول الأجيال المتعاقبة تابعا ذليلا لعواطفهم ومشاعرهم ، تحت تأثير مصلحة أنية ضيقة ، أو التغرير بخطاب سياسي كاذب ، لايعرف عن ماهيته ، ولاكننه ، ولا أهدافه ، وغاياته شيئا .

انقسم اليمنيون في ستينيات القرن الماضي إلى فئتين ، فئة القبيلي المرتزق الذي يمم وجهه شطر الرياض ، يقابله على الضفة الآخر قبيلي آخر يمم وجهه شطر القاهرة ، يحمل نفسه الصفات والغايات التي يحملها صاحبه الذي يقف على الضفة الآخرى ، شعار كل منهم :

لا أنا قبيلي حد ولا حد دولتي

دولتي هو من ملأ كفي قروش

فلا أمن الجمهوري بالجمهورية ، ولا آمن الملكي بالملكية ، وقد وصف هذه الحالة الفريق صلاح المحرزي - أحد القادة المصريين الذي تعاقبوا على قيادة الجيش المصري في اليمن - عندما سُؤل عن سبب إطالة أمد الحرب بين الجمهوريين والملكيين ، فأجاب بلهجته المصرية ( عاوز تعرف السبب ؟ السبب كان في اليمن باريزة شكلها حلو أوي - يقصد الريال الفرنسي - فكنا نعطي القبيلي باريزة فيعطينا الإحداثيات صحيحة على الملكيين ، فيأتي الملكيون فيعطونه باريزتين فيعطيهم الإحداثيات صحيحة علينا ، وظل القبيلي ذاهبا أيبا ، في النهار جمهوريا ، وفي الليل ملكيا ، والحقيقة أنه لايؤمن بملكية ولا بجمهورية ، لأنه لايعرف ماذا تعني الجمهورية ، ولاماذا تعني الملكية ، ناهيك أن يدرك حقيقة مشروع أيا منهما ، لأن الشئ الوحيد الذي يؤمن به في الحياة ، ويدرك تفاصيل تفاصيله هو (المال) لذا ظلت المشاريع السياسية في اليمن كفقرات الدعاية التلفزيونية ، تسترق لحظة خاطفة من قت المشاهد ، لكن آثرها المضلل ، وبريقها الخادع ؛ يستنزف مقدراته المالية وقتا طويلا يتحول مع مرور الزمن إلى سلوكا يلازمه يورثه إدمان شراء السلعة التي خدعه بريقها ، وحسن عرضها.

الوقوع في برائن الشراك الخادعة ، لم يقتصر على جزء من اليمن دون آخر ، فهو سلوك عام لليمنيين ، وصفة مميزة لهم ، فرضها الجهل ، والفقر ، وضحالة الوعي للعقل الجمعي للمجتمع نتيجة لهاتين الأفتين المزمنتين .

لذا لن تجد سلطانا ثار من أجل إسقاط عرشه إلا في اليمن ، حين تأثر كثير من سلاطين الجنوب العربي بالمد العروبي ، فالتحقوا بركب الثورة التي اطاحت بعروشهم ، وبنت نظما على انقاظ سلطناتهم ، فهل قدر السلطان الثائر في لحظة الحماس الذي أعمت سمعه وبصره ، ماهي أهدافه السياسية من اللحاق بركب الثورة ؟ وماهي المصالح التي سيحققها من ركوب سفينتها ؟ لم يكن مدركا لماهية الثورة ، ولا أهدافها الحقيقية ، وإن كان يعلم مدلول ألفاظ أهدافها ، لأنه مكتوبة بلغة لسانه العربي المبين ، إلا إن عاطفته كانت حائلا بينه وبين فهم وإدراك مدلولها ومعانيها ، فلم يصح من سكرة حماسه إلا حين حط رحاله هو وأسرته في المملكة العربية السعودية ، أو لندن ؛ منفيا طرديدا لايلوي على شيئ ، لأن كل مايملكه صار ملكا للعهد الجديد .
ليقع بعدها ثوار العهد الجديد ، في نفس شرك الجهل الذي وقع فيه كل يمني دخل السياسية من باب الجهل والإرتزاق ، فغيروا اسم الدولة من الجنوب العربي ، إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، لأن مصالح رجال العهد الجديد اقتضت ذلك ، كما كانت تقتضي الإفراط في تقديس مشروع الوحدة ، بين شطري اليمن ، فجعلوا منه هدفا مقدسا أعظم من قدسية القرآن الكريم نفسه ، لأنهم كانوا لايؤمنون به أصلا ... بحت أصوات الجماهير من ترديه صباح مساء ، فتنازلوا عن دولة ، مقابل ثمنا بخسا أعلاة سيارة موديل 89م للوزير أو قائد الوحدة العسكرية ، وعلاوة إيجار قدرها عشرون ألفا للضابط ، فغلف هذا المشروع بخطاب وطني ، وخطاب إعلامي ذرفت له دموع كل من حضر مراسم رفع علم الوحدة صبيحة 22/مايو / 90م ، فلما نفذ الثمن الذي قبضة البائع ، وأغلق المشتري حنفيته ، عاد البائع ليبحث عن قطعة القماش القديمة التي رماها بيده ، فلاضير أن يتوشح بها ، إذا كانت ستكون باب للإرتزاق والتكسب ، ولما تعددت مصادر الإرتزاق بسم القضية عرضها المرتزقة في سوق المزاد لمن يدفع أكثر ، كما يُعرض العبيد في سوق النخاسة ، فكما ظل القبيلي الشمالي في النهار جمهوريا والليل ملكيا ، ترى اليوم الثائر الجنوبي متنقلا من انفصاليا متطرفا ، إلى وحدويا متطرفا ، وفي كل مرة يحشد من الأدلة والبراهين على صواب الخيار الذي أتخذه ، وهو نفس الخيار الذي خون الجميع بسببه حين كان واقفا على الضفة الآخرى ، وهو كاذب في الحالتين ، لأن مبدأه الحقيقي في الحياة 
لا أنا قبيلي حد ولا حد دولتي 
 دولتي من ملأ كفي قروش

سعيد النخعي 
القاهرة 1/ يونيو / 20188م