مقالات وكتابات


الجمعة - 01 يونيو 2018 - الساعة 12:02 ص

كُتب بواسطة : وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب


هكذا حالهم، جميع القوى الموجودة على الساحة اليمنية، بشمالها وجنوبها دون استثناء، أدوات لتحقيق أجندات خارجية.

ولكن للجهل أشكال كما يقال، فمن يتحدث اليوم عن الوطنية، ويعتبر نفسه الممثل الوحيد والشرعي لأي تيار، لا يكاد يخلو نفسه من كونه يرفع شعارات براقة تضليلية سمجة كما فعل أنداده وأسلافه.

فهل يعقل إن يتحدث هؤلاء عن جنوبيتهم المطلقة، وفي نفس الوقت يرسلوا بابناءه للمحرقة في الشمال.
أليس سقوط صنعاء ونهاية الحوثي، يعني عودة نطام صنعاء بشقيه العفاشي والإخواني للحكم بدعم سعودي مطلق، ويعجل بنفس الشكل بسقوط المكاسب التي تحققت للجنوبيين مؤخرا!!!..

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذا الذهاب للشمال؟.
وما حجة أولئك الصفوة المجتمعية من التغرير بالناس البسطاء ومحدودي الوعي؟.

عندما قام صالح بثورته المعروفة على الحوثيين في نهاية العام المنصرم، انتاب عقلاء الجنوب القلق الشديد من هذا الفعل، فهم يدركون خطورة تحركاته حينذاك، وما يحمله للجنوب في نفسه من غل، وثقة المجتمع الخليجي الكبيرة به، وتقديمهم له وانصاره، كل أشكال الدعم والمساندة، ومن ثم فانتصاره على الحوثيين يمهد الطريق له بالتحرك جنوبا، ولكن شاءت الأقدار الربانية إن يلقى حتفه في غضون أيام من ثورانه، فتهللت أسارير الجنوبيين بعد إن أسودة.

وبعد التطورات الميدانية الأخيرة، وأنباء سقوط الحديدة في يد خصوم الحوثيين، تصبح صنعاء بين فكي كماشة، ويكون مآلها للسقوط مبكرا، حيث تروي لنا الأنباء الواردة من مناطق سيطرة الحوثيين، بإن هناك انهيارات متسارعة بين صفوفهم، وتذمر واسع في أوساط انصارهم، ونقص شديد في الرجال والعتاد لديهم، كل ذلك يوحي باقتراب العد التنازلي لسقوطهم المدوي.

ومما لا شك فيه فالحرب باليمن أصبحت مكلفة للغاية، لجميع الأطراف المتحاربة دون استثناء، سواء الأطراف التي تخوضها بشكل مباشر، أو حتى تلك الأطراف التي تنهض بدور الوكيل فيها.
فقد أنفقت المملكة السعودية وحدها مئات المليارات من الدولارات في حربها على الحوثيين، من خلال عقد صفقات الأسلحة الضخمة، وشراء الضمير العالمي، وانتزاع القرارات الأممية المؤيدة لحربها، وإسكات الأصوات المطالبة بوقف الانتهاكات التي رافقت عملياتها العسكرية، وتجييشها للمقاتلين وجلبهم من كل حدب وصوب، وتمويل عمليات تدريبهم وتسليحهم.

ولكن من حسن حظ الطرف السعودي في حربه مع اليمن هذه المرة، إن اليمنيين أنفسهم غير موحدين، فقد أفرز نظام صالح وسوء إدارته للبلاد بعد الوحدة، مشاكل عديدة كان من أبرزها حربه الظالمة على الجنوب عام 1994م واحتلاله، وتقاسم أرضه وثروته بين القوى المنتصرة، وحرمان ابناءه منها، الأمر الذي دفع بالجنوبيين للقيام بثورة شعبية سلمية عارمة في العام2007م للمطالبة باستعادة دولتهم، ولكن من أخطاء نظام صالح المتكررة، المبالغة في أساليب قمع الجنوبيين والتنكيل بهم، مما خلق شرخ واضح في البلد الذي فقد سيطرته عليه تدريجيا.

ولقد استفادت المملكة السعودية من هذه الانقسمات ووظفتها لصالح حربها الأخيرة.
فقد انخرط الجنوبيون في هذه الحرب، منذ بدايتها الأولى، وأصبحوا طرفا أصيل وفاعل فيها، وقدموا جسيم التضحيات في سبيل تحرير واستعادة أرضهم، وتمكنوا خلال أشهر قلائل من تحريرها بالكامل وطرد الحوثيين منها.

تفاءل الجنوبيون بالموقف السعودي خيرا، واعتبروا الحرب الفرصة الذهبية السانحة لاستعادة دولتهم المنتظرة، والخروج من الوحدة الآسنة التي أثبتت كل الوقائع فشلها واستحالة استمرارها.
لكن كابوس القلق عاد لمراودتنا مجددا، حين أصبح يرسل بالمقاتل الجنوبي للقتال في العمق الشمالي، وأضحى عقلاءنا يتساءلون ما الغاية والنتائج المرجوة من وراء ذلك؟. خصوصا وأرض الجنوب لم تؤمن تماما بعد.
وهل توجد رغبة حقيقية لدى شركاءنا السعوديين من تمكين الجنوبيين من الانفصال؟.
وإذا كان انفصال الجنوب، يمثل حلا ناجعا للسعودية من الوجود الحوثي بجوارها جنوبا، فلماذا لم تسارع بإيقاف حربها على الحوثيين شمالا، وذلك بعد النصف الأول من عامها الأول، أي بعد تحرير محافظات الجنوب؟.

لهذا يساور الشك شريحة من الجنوبيين غير صغيرة، من استمرار الحرب والتوغل شمالا، خصوصا وإن هناك قوى في الشمال معادية للجنوب، قد تستفيد من مخرجات هذه الحرب، وتعيد إنتاج نفسها من جديد.

السؤال الذي يطرح نفسه، بانتظار البحث عن إجابة عنه:
ما هي ملامح مستقبل الجنوب، في مرحلة مابعد الحرب، وتحرير كامل التراب اليمني شمالا؟؟؟...
على أمل إن تكون تصوراتنا لمستقبل بلدنا، قائمة على قناعات ورؤى واضحة، ووقائع سياسية وميدانية صلبة، أفرزتها طبيعة المرحلة الراهنة.
والله على ما نقول شهيد.