مقالات وكتابات


الخميس - 31 مايو 2018 - الساعة 11:16 م

كُتب بواسطة : سعيد النخعي - ارشيف الكاتب


لم تكن أبوظبي بحاجة إلى كل ما أججته من صراع بين الجنوبيين ، ولا ما بددته من أموال لشراء الولاءات المناطقية ، لأن الثمن كان باهضا ، مقابل سلعة سريعة الإنتهاء لاتتجاوز صلاحيتها فترة صلاحية الزبادي، ولايتعدى تأثيرها قُرٍ نائية بعيدة كل البعد عن مراكز التأثير السياسي والاجتماعي بالنسبة للجنوب ، ولو سخرت أبوظبي ما انفقته على القوى التي دخلت السياسية من باب التكسب والإرتزاق، في إعادة الخدمات للمواطنيين ، لتألفت بهذه الأموال شعبا بأكمله ، ولحافظت على الصورة الجميلة التي رسمها اليمنيون عن الإمارات جيشا وقيادة ، ولأخذت ماتريد دون ضجيجا أو ثمن .

بنت أبوظبي سياستها وفقا لقراءة قديمة خاطئة للمشهد الجنوبي ، ووهمت حين أسقطت أفرازات ومعطيات الحقبة الإشتراكية على عموم الجغرافيا الجنوبية ، وكل حقب التاريخ الجنوبي ، وبنت تعاملاتها ، وتحالفاتها وفقا لهذه القراءة المبتورة ، حتى وجدت نفسها وجها لوجها أمام ركام هائل من المعضلات السياسية ، التي فرضت نفسها كأولويات للمرحلة ، ومشاكل آنية ، يتناسل بعضها من بعض ، وتتكاثر بسرعة عجيبة ، حتى طغت بحضورها ، وسرعة تفاقمها على المشهد السياسي ، وحرفت مسار التحالف عن أهدافه الرئيسية ؛ بعد أن أشغلته أبوظبي بثنيات الطريق ، وحرفت مساره عن الأولويات التي كان يجب أن يعمل لأجلها ، لتعزيز بناء الثقة ، وكسب الحاضنة الشعبية ، من خلال البناء على ماقدمه التحالف من مواقف ، ومارسمته هذه المواقف من صورة جميلة في وجدان الناس لحظة تفوّز العاطفة الجنوبية ، قبل انتكاستها العكسية ، واستثمار توافق الغايات والأهداف السياسية المشتركة بين التحالف والشرعية ككيان يمثل مابقي من الدولة ، قاتل الجميع تحت لوائه.

تدحرجت كرة الثلج ، وطغت على السطح الحسابات الثانوية ، وتعددت الولاءات ، وتعددت الرايات ، وتعددت المشاريع، وتداخلت الغايات والمصالح ، مما جعل فريق التحالف المحلي والاقليمي فريقا غير متجانس ، انشغل أعضاؤه بتصفية الحسابات فيما بينهم ، وفقا لمصالح شخصية ، ومناطقية ضيقة ، ماكان لهذه الجذوة أن تتقد لولاء نفخ أبوظبي لها .

لو أحسنت أبو ظبي قراءة الواقع اليمني عموما ، والجنوبي خصوصا ، قراءة فاحصة وجعلت اجنداتها السياسية تتماهى مع المصالح العامة للشعب ، لكان أجدى وأنفع للطرفين .

قادت هذه القراءة الخاطئة أبوظبي إلى الوقوع في مستنقع أسن ، وهو ذاك المستنقع الذي اجبر القاهرة والرياض في ستينات القرن الماضي للجنوح للسلم بعد أن أيقنا باستحالة الاستمرار ، بعد سبع سنوات من الصراع ، بالرغم من تبني كل دولة مشروعا نقيضا للآخر ، لكن القاهرة تنازلت للرياض عن بعض أطماعها ، وتنازلت الرياض عن بعض من هوسها ، فتوافق اليمنيون ، وكان هذا ثمن خروجهما من المستنقع اليمني الأسن .

ولو أحسنت أبوظبي التقدير ، وانفتحت على الشعب من خلال توفير الخدمات له كان خيرا لها من التعامل مع شخض أوهمها بأن الجنوب من باب المندب إلى المهرة إقطاعية ورثها عن أبيه ، في حين لايتجاوز عمقة الجغرافي منطقة لو وزعت قبورا على أبنائها لما كفتهم.

كانت الخدمات ، وإعادت بناء مؤسسات الدولة البوابة التي كان يجب على أبوظبي أن تلج منها ، وبهذا ستعزز ثقة المواطن الجنوبي الذي وضع بيضة كله في سلتها عن رضٍ وقناعة ، واقناع المواطن الشمالي من خلال بناء نموذجا صالحا يغريه للمغامرة للإفلات من القبضة الحوثية ، من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة على تراب أصغر محافظة يمنية مساحة وهي عدن .

ما تحتاجه أبو ظبي اليوم هو التنازل عن بعض هوسها ، كما تنازلت الرياض عنه في ستينيات القرن الماضي ، والتخلي عن منطق القوة كما تخلت عنه القاهرة في الفترة ذاتها ، وتعيد قراءة المشهد اليمني شمالا وجنوبا ، من كل الزوايا ، وتتبع سلسلة التاريخ حلقة حلقة ، وإذا استطاعت فعل ذلك ، بإمكانها إعادة بناء جسور الثقة ، من خلال ردم الهوة بينها وبين القوى الفاعلة ، وفقا للتمثيل الجغرافي ، والثقل الاجتماعي ، والإرث الحضاري ، وفقا لسياسة أعطني بعضا مما عندك ، أعطيك بعضا مما عندي ، لأن السياسة تقوم على البرجماتية ، والمصالح المشتركة للشعوب ، وليست للجماعات المليشاوية التي تعيش بعقلية ماقبل عصر الدولة ، لأننا لسنا في عصر الزعيم الأوحد ، والقائد الملهم على طريقة اليسار في ستينيات وسبيعنيات القرن الماضي ، لأن أحوال العالم تغيرت ، ووسائلة تبدلت ، بعد أن تحول العالم في تلقي المعلوم عبر موجات الأف أم الطويلة والقصيرة ، إلى موجات الانترنت العابرة للقارات والمحيطات ، وتحول العالم إلى قرية صغيرة ، يتناقل الناس أخبارها ، وكل مايحدث فيها أولا بأول .

لابد من ردم الهوة ، ولابد من كبح جماح الغرور والتعالي ، فالمارد اليمني الذي خرج من قمقم التاريخ قبل ثلاثة ألف سنة قبل الميلاد لايمكن أن يكون تابعا لدويلة لايتجاوز عمرها عمر شجرة الموز في دلتا أبين ، أو وادي تبن .