مقالات وكتابات


الأربعاء - 28 مارس 2018 - الساعة 09:04 ص

كُتب بواسطة : سعيد النخعي - ارشيف الكاتب


لليمن مع التاريخ قصة ، ومع الحضارة حكاية ، تروي فصولها قصة عاشقين هام كل واحد منهما بالآخر ، فتعانقا عناقا سرمديا ؛ لم تستطع السنون فصل أحدهما عن الآخر ، ولم تستطع عوادي الدهر ونوائب الأيام أن تقطع وصالهما ، فنتج عن هذه التلازمية اتحاد اليمن بالتاريخ ، وحلول اليمن في الحضارة ، فصار اليمن دليلا على التاريخ ، وصارت اليمن دليلا على الحضارة ، رغم مارسمته يد الفقر على وجهها من تجاعيد ، وما خلفته مخالب الموت من آثار تحكي صراع الإنسان في هذه البقعة المتكئة على البحر ؛ منذ أكثر من ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد ، امتزج الزمان بالمكان ، فغدت هذه البقعة دليلا على التاريخ ؛ وصار التاريخ دليلا عليها .

لم يشقَ شعب بتاريخه كما شقي اليمنيون بتاريخهم ، ولم يلقَ شعب من الشعوب من العناء ما عاناه اليمنيون من حضارتهم ، ظاهرة فيها من الغرابة والتفرّد تجعلها حريّة بأن يقف أمامها الباحثون بمختلف تخصاصتهم التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، عفوا - أعوذ بالله - من الأخيرة أي السياسية ، نسيت بإن هذه الفئة ليس لها من البحث والتدقيق سوى التزوير والتلفيق ، ولي عنق التاريخ والجغرافيا والاجتماع ومعها الرياضيات لأنهم لو أرادوا أن ينسبوا نظرية فيثاغورص في الرياضيات لأحد قادتهم ، أو زعمائهم لفعلوا دون حياء أو خجل.

مثّل تاريخ اليمن الموغل في القدم ، واستئثار اليمنيين بالدور الحضاري دون غيرهم من شعوب الدول المجاورة التي لايتجاوز عمر بعضها عمر شجرة الموز في دلتا أبين أو وادي تبن ، أو سهل تهامة ، لذا كانت دائما ما تبدو وسط محيطها كشيخ وقور أورثته الأيام والسنون مهابة ، له مع الزمان قصة ، ومع قراع أحداث فصول التاريخ حكاية ، فصار هو التاريخ والتاريخ هو ، جعل منه هذا الالتصاق بالتاريخ شاهدا على وقائع الزمان ، وصراع حقب التاريخ ، شاهد لايمكن أن يصل من يدعي النسب الوصول إلى يعرب بن قحطان إلا من خلاله ، ولاتستطيع التجمعات العشائرية التي تسمي نفسها دولا الولوج إلى التاريخ إلا من بوابته ... عجزت أموال النفط أن تكون له ندا رغم فقره وبؤسه ، وعجزت الشعوب المحيطة به رغم غناها الفاحش ، وأستقرارها النسبي ، أن تشاركة شيئا من تسيّده على التاريخ رغم محاولاتها المستمرة ، كما لم يستطع المال والنفوذ مجتمعا تغيير الحقائق التاريخية ، و المعالم الجغرافية رغم المحاولات المستمرة ، وفشلهم في كل مرة ،

عجزت أموال النفط حتى أن تجرّد كلمات حسين المحضار ، وعبدالله هادي سبيت من هويتها ، ووقفت حيل السرّاق وفنونهم عاجزة عن انتزاع الحانها الملتصقة بها كجلدها ، كما عجزت عن منع صوت الراحل الكبير بلفقيه عن التحليق في فضاء الانتماء والهوية ، وكما عجزت الجهود السابقة عن فصل لحم كلمات المحضار وسبيت عن جلدها ، ستعجز الجهود اللاحقة مع أختها شجرة دم الأخوين اليمنية ، التي لاتقوى على الحياة إذا ما فارقت جذورها تراب موطنها الأصلي اليمن ، الذي لا تعرف لها موطنا سواه كالأسماك التي لاتعرف سوى أعماق البحار موطنا لها ، لذا تلفظ أنفاسه حين تجرفها شباك الصياد من الماء حاملة إياها إلى مرافئ اليابسة .

حال اليمن وحال جيرانها كحال الفقير الجميل ، والغني القبيح ، فلا الفقر سلب الفقير جمالة ، ولا الجمال شيئا يستطيع الغني أن يشتريه بماله ، فظل القبيح متشوفا إلى جمال الفقير الذي لايمكن أن يكتسبه بالمال ، وخائفا في نفس الوقت أن يغادر الجميل الفقير دائرة فقره ، لأن مأساة القبيح حينها ستتضاعف إذا جمع الفقير ما يمكن اكتسابه ، ومالايمكن اكتسابه معا ، وهذه العقدة هي مصدر بلاء اليمنيين ، ومنبع مأسيهم الاقتصادي والسياسية في العصر الحديث .