مقالات وكتابات


الثلاثاء - 22 يناير 2019 - الساعة 12:38 ص

كُتب بواسطة : عادل الحسني - ارشيف الكاتب


بعد مرور تسعة أشهر ونحن في معتقل الإمارات في مدينتي عدن، أتى الإماراتيون بهذا الشاب " الخضر محمد الخضر الرهوة " من م البريقة م/ عدن، وهو سلفي من مسجد الشيخ أحمد عثمان.

كان هذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره 23 عاماً يُعدُّ من أبرز الذين كان لهم الدور مع رفيقه وصديقه المقرب " ماجد مصور " في صد العدوان الحوثي على عدن.

وبعد خروج الحوثي وبداية التواجد الإماراتي، استدعى الضابط الإماراتي " أبو خليفة " هذا الشاب إلى مقر قيادة القوات الإماراتية في بازرعة على خط البريقة، وطلب منه التنسيق والعمل المباشر معهم، وعرض عليه مبلغاً من المال،

لكنَّ البطل الخضر رفض العرض، وردَّ المال قائلاً له: " لستُ ممن تشترونهم بأموالكم "، فقال له " أبو خليفة سعيد المهيري ": " فكر وراجع نفسك وإلا قد تندم ".

لم يكترث هذا البطل وغادر مبنى الإماراتيين رافعاً رأسه لأنه لم يدخل في جيبه مال الذل والهوان الذي يأخذه غيره.

ومضت أيام قليلة، ويأمر أبو خليفة مرتزقته وعبيده بإحضاره فوراً إلى مركز القيادة، وهناك استلموه مباشرة بالضرب والكهرباء والتعليق، وأدخلوه إلينا قبيل الفجر، فواسيته بكلمات، وأعطيته رداءاً كنتُ قد حصلت عليه بأعجوبة من أحد الحراس، وإلا فنحن ننام عندهم على كراتين الماء.

ومضت عدة أيام وأخرجونا للشمس، فبعد كل ثلاثة أشهر يعرِّضونا للشمس عندما تبدأ الأمراض الجلدية تنتشر فينا. خرجنا للشمس وبقي الخضر وشاب آخر من لحج في تنظيف الزنزانة من الأتربة والأوساخ.

كان هناك جندي إماراتي اسمه " أبو عدي علي حجر الشحي "، وكان هذا الجندي معلوماً عند الجميع أنه شاذ جنسياً - أكرمكم الله - ويحب مسك أعضاء المساجين.

اقترب أبو عدي من هذا البطل، وحاول أن يفعل معه حركة لا أخلاقية، لكنَّ الخضر انقض عليه دونما هوادة أو خوف، حتى كاد أن يخنقه بيده لولا أنّ صديقه الذي كان معه حال بينهم.

وهرب الجندي الإماراتي وسقط على وجهه في الدرج النازل، ورأى أن هذه فضيحة كبيرة، وكيف لا تكون فضيحة وهو يهرب من مجرد مسجون أعزل لا يملك غير اعتزازه بربه وثقته به، وهم كما يزعمون بأنهم " حامو حمى عدن والمدافعون عن الأرض بما يمتلكون من عدة وقوة وبطش وجبروت".

فحقد حقداً شديداً على الخضر، واستدعى زملاءه، وأدخل كبار الضباط في القضية معتبراً أنَّ هذه إهانة بحق الجيش الإماراتي المعظم؛ فما كان منهم إلا أن أخذوا الخضر وصلبوه في الشبك أمامنا، وقيدوا يديه ورجليه في الشبك، وبدأوا بضربه بالسياط والأسلاك الحديدية والأسياخ بكل ما أوتوا من قوة من الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصراً، ونحن نشاهد كل ذلك ولا نملك أن نفعل شيئاً إلا الدعاء أن يخفف الله عنه، وكنا لا نسمع من الخضر إلا وهو يصرخ " يا الله يا الله ".

وتقطع جسده وبدأت الدماء تنزف منه، وحينها أتى الجنود والضباط واقتربوا منه وهم يتضاحكون فرحين بهذا النصر الكبير الذي حققوه مع رجل مسجون ظلماً، مجردٍ من كل شيء غير ما يستر به عورته، مقيدٍ بالحديد، مغلوبٍ على أمره، يدافع عن شرفه خارج وداخل السجن.

لم يكتفِ الإماراتيون بما ضربوه وعذبوه، بل أرادوا الاستمتاع أكثر بصرخاته وآهاته، قاموا بوضع " الملح والشطة الحارة " على جروحه التي تنزف دماً، فصاح الخضر صيحة هزت لها أركان السجن، ولكم أن تتصوروا مدى الألم وبشاعة الموقف.

ثم مع اقتراب المغرب، أعادوه إلى الزنزانة وهو مغمى عليه، ولكنه غير مكترث ولا متحسر، بل لا يزال رافعاً رأسه و متيقناً أنه انتصر عليهم بما أوتي من عزة نفس وشجاعة وثقة، وهكذا هم الأبطال ".

بقي الخضر قرابة السنة عندهم، وبعد تدخل " عبداللطيف السيد - قائد الحزام الأمني في أبين " بالتوسط له، قائلاً لهم: " لقد أنقذ حياتي هذا الشاب السلفي من موت محتم من القاعدة، وخاطر بحياته ولاقاني إلى مكان، وهرَّبني؛ فأنا أطلبه منكم طلباً شخصياً " ؛ فتصدق الإماراتيون على عبد اللطيف وأطلقوا سراحه ".

خرج الخضر وتزوج اليوم وذهب عنه ذاك الألم كله، وسيُخلَِد التاريخ أن شابًا كسرهم وأهانهم وهم كثرة باطشة.

هناك قصص كثيرة جداً حصلت لنا معهم سأذكرها بإذن الله في قصتي " أهوال من وراء الغضبان "، ولكن ليس الآن "
كتبه / عادل الحسني
2019/1/21 م