مقالات وكتابات


الثلاثاء - 28 سبتمبر 2021 - الساعة 04:57 م

كُتب بواسطة : محمد الثريا - ارشيف الكاتب



من بين مجموعة صور شاهدتها مؤخرا والتي تحكي معاناة الشعوب وقمع الأنظمة الإستبدادية لفت نظري صورة مؤثرة جدا وربما قريبة نوعا ما من واقعنا اليوم في المناطق المحررة حتى أن مشهد المعاناة المستوحى من دلالات تلك الصورة بدا وكأنه في أغلب الأحيان يحكي ذات التفاصيل وأوجه الألم التي نعانيه منذ أعوام .

في الصورة ‏كانت المرأة وهي المواطنة بألمانيا الشرقية تركض بكامل سرعتها حتى آخر نفس والجيش يجري خلفها بكل قوة وفي آخر لحظة قبل أن يمسكوا بها قفزت من الشرق إلى الغرب وإجتازت الخط الأبيض، ‏وفي هذا المكان بالتحديد تغيرت أشياء كثيرة في حياة هذه المرأة، لأن هذه القفزة التي قفزتها في أقل من ثانية عبرت بها الخط الفاصل بين أرضين، لقد ‏عبرت من الإشتراكية إلى الرأسمالية، من ضيق العيش إلى فسحة الحياة، من أمرأة بهوية إلى أمرأة بهوية أخرى، من امرأة تطاردها الدولة إلى امرأة تساندها الدولة ..!

نعم، بقفزة واحدة، خرجت من المانيا الشرقية ودخلت المانيا الغربية وغيرت مصيرها للأبد .
الحرس الذي كان يطاردها لايستطيع الآن أن يفعل لها شيء لأنها أصبحت تحت سيادة دولة أخرى، وهذا كان من أسباب بناء سور برلين .
لقد ‏حلت كل مشاكل حياة المرأة تلك بقفزة واحدة، وهكذا ظل حديث الصورة يحكي لكل من يشاهدها بعد ذلك ..

وكما ألمحت في البداية، لايختلف وضع سكان المناطق المحررة باليمن اليوم عن وضع المرأة الألمانية الشرقية بالأمس سواء من حيث وقع المعاناة الجاثمة أو من حيث الرغبة في الإنعتاق عن قيودها المفروضة، لكن وكما يبدو لازالت تنقصنا جرأة التحرك وقدرة القفز بعيدا عن دائرة المعاناة التي بدا أنها تحيط بنا اليوم من كل إتجاه .

المؤكد بعديد القرائن والمعطيات أن المتحكم بمشهد الصراع اليوم والمفوض دوليا بحل أزمة اليمن كان هو السبب الرئيسي في حدوث وتفاقم المعاناة الإنسانية هناك، فضلا عن دوره غير المباشر في تمويه سبل معالجتها لسنوات، والمؤكد هنا أيضا أن أطراف الداخل ظلت هي من يؤدي دور قيد المعاناة المفروض والمبعثر الداخلي لأي تحرك شعبي رافض لسياسات التأزيم الممنهجة تلك .

منطقيا، تتطلب مسألة تجاوز حائط المعاناة قفزة موحدة ومتزامنة وأيضا شاملة لجميع الطيف المجتمعي بمختلف توجهاته السياسية، ولن تفلح تلك الوثبات المنفردة والمتباينة والمعزولة عن بعضها في تأدية دور ( قفزة النجاة أو قفزة التغيير ) مهما علت وتقاربت، ذلك أنه يبقى بديهيا في ظل حالة الشتات الشعبي المنبثقة عن واقع الإنقسام السياسي الحاصل اليوم أن تبقى إحتمالات حدوث مثل تلك القفزة دائما في حكم المستبعدة تماما .

ولذلك من المرجح في تقديري بقاء وضع المناطق المحررة كما هو عليه الحال هذا إن لم يزدد سوء مع مرور الوقت، فيما ستظل الناس هناك خاضعة، مستسلمة ومستكينة بإنتظار قرار الإنفراجة المؤجلة ورحمة الحل السياسي القادم من عصا الجلاد نفسه وذات عراب الأزمة والمعاناة التي تفتك بالبلد منذ سنوات .

محمد الثريا