مقالات وكتابات


الأحد - 04 يوليه 2021 - الساعة 08:01 م

كُتب بواسطة : محمد الثريا - ارشيف الكاتب



وأخيرا عقب سنوات من الإنسداد والاخفاق المتكرر الذي كان عنوانا لمهمة المبعوث الأممي السابق باليمن مارتن جريفيث وقع إختيار الأمين العام للأمم المتحدة اليوم على سفير الاتحاد الأوروبي باليمن السويدي هانس جروندبيرج .

وحقيقة، إذا ما أردنا التطرق لحظوظ الوافد الجديد للملف اليمني وإمكانية تحقيقه خرقا في جدار الأزمة الأكثر مأساوية كما صنفتها تقارير دولية عدة فإنه يحسب صراحة للمبعوث الجديد جروندبيرج الخلفية الدبلوماسية الواسعة التي يتمتع بها وكذا التجربة الطويلة له مع أزمات المنطقة فضلا عن دراية جيدة لديه بالشأن الخليجي، وهي في ظني عوامل داعمة من شأنها تذليل الكثير من الصعاب التي قد يواجهها الدبلوماسي السويدي خلال مهمته الجديدة خلفا للبريطاني المغادر جريفيث .

في التاسع من مايو الماضي والذي يصادف ( يوم أوروبا ) كمناسبة سنوية محتفاة كتب السفير هانس جروندبيرج مقالا مطولا بعنوان " بعد الحرب والدمار - كيف خرجت أوروبا من الحلقة المفرغة وكيف تؤمن بأن اليمن أيضا قادر على ذلك ؟"
وهنا أقتبس نصا حيا من خاتمة ذلك المقال: ( أن إمكانية السلام في اليمن ليست خيالا بعيد المنال، أنها فرصة في الواقع ، فرصة قائمة في ظل الجهود التي يرعاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة ).. إنتهى الإقتباس .

ولكن يخبرنا أيضا ذات الواقع أن المبعوث السابق جريفيث قد ترك بالفعل إرثا كبيرا من الاخفاقات والإنتكاسات وايضا التعقيدات الإضافية التي قد تحتاج هي الأخرى إلى جهود مضاعفة لمعالجتها أولا قبل الإنطلاق نحو بوابة الحل الشامل أو حتى مجرد الحديث عن قدرة اليمن في مغادرة الحلقة المفرغة .

لامتسع لعرض أوجه الخلاف المتعددة بين الحالة اليمنية الراهنة وما حدث في أوروبا خلال فترة الحرب العالمية الثانية، اذ يكفي فقط معرفة ان التدخلات الإقليمية والدولية باليمن قد أصبحت مسألة تفوق في تعقيداتها تعقيدات أزمة الداخل نفسها .

فالتدخل الإيراني باليمن وطبيعة العلاقة بين ملف الصراع اليمني والملف النووي الإيراني لم تعد أمرا بالإمكان نكرانه طويلا من حيث تحوله إلى أحد أصعب المعوقات الماثلة أمام الجهود الاممية لحل النزاع باليمن، ورغم محاولة وزير الخارجية الإيراني الفصل بين الملفين وسعيه للتأكيد بأن الحل في اليمن يتعلق كليا بجلوس أطراف الداخل دون النظر الى صراعات المنطقة أثناء تصريحات أدلى بها الوزير خلال زيارته لعمان قبل أسابيع، فإنه يظل من الصعب تفسير تعنت الحوثيين ورفضهم لمبادرات السلام الملبية لمعظم اشتراطاتهم بمعزل عن تحكم طهران الواضح بقرار الجماعة السياسي وتوظيف ذلك لمصلحة تحقيق مكاسب إيرانية خاصة في مفاوضات فيينا .

وعلى الضفة الأخرى تطل تدخلات الأشقاء برأسها في ملف الأزمة اليمنية وأيضا بصورة لاتخدم في غالبها تحقيق الاستقرار هناك .

فعقب ستة أعوام من التدخل العسكري باليمن بدا جليا اليوم التسليم بمصير الشمال لطاولة مفاوضات مفتوحة، كما تحولت رياح التوتر والتصعيد العسكري بشكل مستغرب باتجاه مناطق الجنوب المحرر .
وعند هذه الجزيئة تبرز العديد من التساؤلات حول سبب ذلك التحول اللافت!
غير ان الامر الذي ليس بحاجة البحث كثيرا هو تباين المصالح غير المعلنة لقطبي التحالف باليمن وإنعكاس ذلك سلبا على حالة السلم الداخلي والتوافق السياسي بين الأطراف المحلية الموالية للتحالف رغم تسوير خلافاتها بإتفاق سياسي ترعاه الرياض مباشرة .

وفي رأيي يمتد الأثر السلبي وتتسع بؤر الخلاف بين أطراف الداخل الحليفة للاقطاب الخليجية المتنافسة حينما تستمر السعودية في تجميع عناصر القوة الاقتصادية في المنطقة مؤكدة إستمرار رغبة التفوق لديها ورافعة بذلك منسوب المنافسة مع أشقائها !!

إذ من شأن الخطوات السعودية الجديدة أخرها إعلان ولي العهد السعودي الثلاثاء الماضي عن دفعة لدعم قطاع النقل واللوجستيك أن تهدد المنافسين التقليديين في المنطقة مثل شركة الطيران العمانية ومشروع الدقم (الميناء اللوجستي) في سلطنة عمان، وكذلك طيران الإمارات ومدينة دبي كمقر للشركات وجبل علي للوجستيك، كما من شأنها أيضا أن تنافس الخطوط القطرية .

الجانب المثير للقلق والخوف هنا، هو إمكانية تحول المنافسة الاقتصادية المحتدمة بين الأشقاء إلى صراع نفوذ ومعارك مصيرية يتم تصفية حساباتها في اكثر من حلبة بالمنطقة، وأظن أن غبار مثل هكذا مخاوف قد بات مشاهدا بوضوح خلال الآونة الأخيرة.

المؤسف أيضا أن قوى إقليمية أخرى تحمل ذات الرغبة الاقتصادية والتوجه التوسعي كإيران وإسرائيل ستكتفيان بمتعة اللعب على تلك المتناقضات والاستفادة منها قدر الإمكان،أي أن البلدان المأزومة باتت بصدد المضي قدما نحو التحول إلى بيئة مستدامة للإستثمار الإقليمي فيما تعكس أزماتها المتجددة تعبيرا قبيحا عن إستمرار دوران رحى منافسة مستعرة لاينال بلد الأزمة منها سوى المزيد من المعاناة والتشظي .

وبين مطرقة العبث الإيراني وسندان التشاكس الخليجي تجد اليمن نفسها اليوم تحت رحمة التدخلات الإقليمية وشفقة تدويل أزمتها الداخلية، وليس بعيدا عن ذلك يقف المبعوث الأممي الجديد متأملا نقطة البداية المفترضة لمهمته الصعبة، وهل يبدأ بتقنين قهوة الخليج المتنافس وتدارك الوضع جنوبا عبر إنقاذ إتفاق الرياض ودعم استقرار المناطق المحررة؟ أم من الأنسب التوجه مباشرة لخفض يورانيوم طهران في صنعاء وإقناع الحوثيين بضرورة وقف القتال والإنخراط سريعا في عملية سياسية للحل الشامل .

المؤكد أن مهمة السويدي جروندبيرج باتت بحاجة مآسة إلى مزامنة جهوده الأممية بدقة متناهية أثناء محاكاة التدخلات المتقاطعة للإقليم في ظل زخم دولي متقطع يحظى به ملف الصراع باليمن، لذلك ليس مبالغا ان قلت أن مهمة المبعوث الجديد والمحفوفة كثيرا بالمخاطر والتحديات هي أشبه حقا بإحتساء "قهوة باليورانيوم" حيث النتائج هناك تظل غامضة حتى أخر رشفة .