الثلاثاء - 04 مايو 2021 - الساعة 05:13 ص
حركت أناملي، لأكتب عن عقدين من الزمن قضاها محمد بيننا، فكلما حاولت، ارتعشت أناملي، وامتلأت مقلتاي بالدمع، وأصابتني حرقة في الأحشاء، فتنهدت، لعلي أسطر من بحور الكلمات شيئاً من حياة محمد، لم أستطع الكتابة، فحاولت، لعلي أحرك بعض حروفي على صفحات التواصل، فبكت مقلتاي وسال دمعها ليروي لكم بعضاً مما رأيته في يوم رحيله، وقد اختصر لنا ذلك اليوم مسيرة عقدين قضاها محمد بيننا بضحكته المميزة، وحضوره المحبب بين أقرانه، ففي لحظة أخفى الغيث دموعنا، وتداخلت زخاته مع دموع كثيرة سكبها محبوه على فراقه، وسَّده أبوه التراب، وحمل حزنه في قلبه، واعتصم بالله، ولم يصرخ، بل ظل يستقبل المعزين، بل ويواسي من هده الحزن، وهذا حال كبار القوم، فهو كبير قومه، والواجب عليه أن يصبر، ويصبِّر الكل، اختنقت كل مفردات اللغة بالعبرات، وسالت دموع الحزن كلها، واشتد أبوه شامخاً كالجبال عندما وصله نعي فلذة كبده، والسند، مات محمد نزلت عليه هذه العبارة كالصاعقة، فردد إنا لله وإنا إليه راجعون، أخفى دمعه في مقلتيه عندما ذرفت دموع من حوله، مات محمد عبارة أرهقته، وأرقته، ولكنه استرجع ليكون اللقاء في الجنة، فما أجمله من لقاء سيكون بمشيئة الله تعالى.
مات محمد العبارة التي ذرف لها دمع كل من سمعها، فطيب أخلاق محمد قد دخل إلى قلوب كل من عرفه، مبتسماً، وبشوشاً، ومتعاوناً مع كل من هم حوله، شهد له بحسن أخلاقه كل من عرفه دون استثناء.
لم أر في حياتي شاباً بكى عليه كل من عرفه إلا محمداً، تعالت الأصوات بنحيب العبرات، فكلما نظرت في الوجوه وجدتها باكية، دامعة حزينة، يا الله كيف يزرع بعض الناس حبهم في قلوب من حولهم؟ وكيف ترى حب بعض الناس ينزل زفراتٍ، ودموعاً، وعبراتٍ يضيق بها مجمع الحب، فيتساقط محبوه حزناً عليه؟ نعم رأيت شباباً وهم يبكون، ويتساقطون جراء عبرات داهمتهم، وكادت تخنقهم.
مات محمد وهو في ربيع العمر بعد أن أزهرت سنين حياته، وتفتحت أحلامه، ولكنه مات، وهذه نهاية لابد منها، فمنا من يتقدم، ومنا من يتأخر، وكل إنسان لايموت إلا إذا استوفى كل لحظة له، ولكن كل واحد منا يترك وراءه ذكريات جميلة، وهذا ما تركه محمد من أخلاق، وحسن تعامل مع كل من عرفه، فتشابكت أصوات نحيب العبرات على فراقه.
مات محمد وترك لمن خلفه من الشباب درساً بليغاً في الأخلاق، فطلاقة الوجه ميزة تجعل من هم حولك يحبونك، ويفتقدونك إن ذهبت عنهم، وهذه الميزة من مميزاته، وصفة من صفاته.
في عقدين من حياته بنى محمد، وشيد حباً له في قلوب كل من عرفه، ولم يستطع تشييد ما شيده محمد من عاش العقود الكثيرة، بل ربما بنى بعضهم الأحقاد، وشتان بين من يعمر الحب، وبين من يبني الأحقاد والضغائن.
يااااه ما أصعب حياة والديه بعد فراقه، وما أثقل أيامهم بعده، وما أطول ليلهم، ففراقه سيمزق الأحشاء، وسيستوطن في قلوبهم، فهو البار بهم، وسلوة قلوبهم الذي لا يمر يوم إلا وهو يسأل عن حاجتهم، ويدخل السرور عليهم، واليوم سيمر طيفه أمامهم، وسينادون على طيفه، ولكن هذا اختبار قد نجحوا في اجتياز أصعبه، وصبروا واحتسبوا، وسيكون اللقاء به في الجنة بمشيئة الله تعالى، فهنيئاً لهم هذا الشاب الذي أبكى فراقه الجميع.
انتهت حياة محمد ومرت كسحابة صيف ظللت من تحتها، وأنبتت بقطراتها زهور الحياة، وورود الحب، ودعناه وداعاً حزيناً، وتمنينا أن يكون يوم وداعه مجرد حلم سينتهي، ونصحو بعد ذلك لنراه، ولكنه كان الوداع الحقيقي لأجمل شاب عرفناه، فلقد كان كل من عرفه يروي لنا قصة تسامح، أو تعاون، أو لقطة جميلة وفريدة عاشها معه، وحكى لنا أصحابه عن كرمه، ودعابته، وطيب أخلاقه، ذهب خفيفاً من الأحمال، وودعته القلوب داعية له بالرحمة، وودعته العيون بسيل من الدموع، ولكن فراقه قد حفر في قلوبنا جرحاً، وسالت بداخلنا الأحزان، كسيل دموعنا الذي لم نستطع أن نخفيه، وعزاؤنا أن الكل يثني عليه، ويمدح سجاياه، فنسأل الله تعالى له الفردوس، وأن يدخله ربه الجنة بغير حساب، فقد شهد له الجيران، والأصدقاء، والأقارب والأحباب بحسن أخلاقه.