مقالات وكتابات


الثلاثاء - 27 أكتوبر 2020 - الساعة 02:02 م

كُتب بواسطة : عمار بن ناشر العريقي - ارشيف الكاتب


# خطّأ بعضُ مشايخِ العلمِ - حفظهم الله - هذه العبارة ؛ لما قد يفهم من خلال اللغة ان القائلين بها وإن حسنت نواياهم فإن ظاهر اللفظ يبيح الاعتداء على كل المحرمات والحقوق إلا حرمةَ وحقَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ كون الاستثناء يكون للخصوص(رسول الله) من العموم(سائر الحقوق والمحرمات).

# ومع شكرنا وحسن ظننا بهؤلاء المعترضين وعذرنا في مسائل الاجتهاد ، إلا أن مما يمكن التذكير به - بكل تواضع - و يدل على جواز هذا الاستثناء في هذا الشعار : (إلاّ رسولَ الله) ماتقرر من القاعدة اللغوية الأصولية ومفادها : ( أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع)، أي أن المستثنى من جنس المستثنى منه،
(والأصل فيه أن مستثناه
من جنسه وجاز من سواه)،
فيكون استثناؤه وتخصيصه صلى الله عليه وسلم من جنس الناس فحسب؛ تعظيما له كونه أفضل الخلق و سيد ولد آدم ، فلا يدخل في المستثنى منه ماهو خارج عن جنس الناس مما حقه التعظيم كرب العالمين سبحانه او الإسلام والكعبة وغيرها.
# وكذا بجامع قياس المساوي عدم استثنائه صلى الله عليه وسلم من عموم الأنبياء، فالكفر بنبي واحد كفر بجميع الأنبياء فتكذيبُ عادٍ بهود، أو ثمود بصالح تكذيبٌ بسائر المرسلين (كذبت عادٌ المرسلين)؛ لأن مصدرهم واحد ودعوتهم واحدة (لانفرّق بين أحدٍ منهم) وعند البخاري في صحيحه (الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى، وأنا أوْلى النَّاسِ بعيسى ابنِ مَريمَ...].
وأما تعظيم حق الرب تعالى وعدم دخوله في المستثني منه فمن باب قياس، الأولى، فالنهي عن قول (أف )
للوالدين نهى عن سبهما وضربها من باب أولى.
# كما أن مقتضى حسن الظن حملَ العبارة على أحسن محاملها، حيث لايدور في بال رافعي هذا الشعار الكريم ولا حتى في بال عدو النبي الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم إلا قصد المبالغة في تعظيم حقه صلى الله عليه وسلم وهو - أيضا كما هو مقتضى المعنى المعهود عرفا و ذهنا (العهد الذهني) كما في اللغة ،ومنه (عدم اعتبار ظاهر لفظ العرب) كالمعهود بدعائهم نحو قولهم (تربت يداك وثكلتك أمك) لتضمنها الدعاء بالفقر والموت، كلمات تجري على ألسنتهم لايقصدون بها حقيقة معناها اللغوي، ومعلوم (تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية بحسب المعهود للمخاطِبة)
وكذا مايعبر عنه الأصوليون ب( العام الذي يراد به الخصوص)، وهو أننا نفديه صلى الله عليه وسلم بأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وكل شيء، فإن تسامحنا في حقوق أنفسنا والناس فسكتنا عن سب أحد - جدلا - تغافلا أومراعاة للمصلحة والحكمة، فلا نتسامح في حقه بآبائنا هو وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم.
- ودلالة العهد الذهني والعرفي أيضا عدم اعتبار (مفهوم المخالفة) هنا، وفي اعتباره - على الخلاف فيه - شروط،
افرأيت لو سب أحدهم والدي أو عقّ والديه فقلت له : إلاّ أبي وإلاّ بر الوالدين، فهل يفهم عاقل إباحة ماسوى ذلك؟
توجيه ذلك بأنه (خرج مخرج حادثة العين والحال ) فليس له مفهوم ولاعموم ويجري عليه القياس، المساوي والأولى كما في الأصول.

# ولو افترضنا خطأ الشعار - لغة - فلاينبغي التشغيب في هذا الظرف العصيب والحقد الرهيب على نبينا الحبيب بإثارة هذا التشقيق و التدقيق في المعنى اللغوي العميق للعبارة مادامت لدى عموم الناس مفهومة، و يذكرنا ذلك بلغوي متقعّر وقع في حفرة فمدّ الناس إليه أيديهم قائلين له : يدك يدك وهو يأبى، حتى فطن لتكلفه في اللغة آخر فقال له : ناولني كفك الشريف لأخرجك من هذا الكنيف.. فأخرجه.
فاجتماع غيرة الأمة على شعار واحد يحصل من القوة والتأثير مالايتحصل باختلافنا فضلا عن اختلاف الشعارات، فضلا عن مقابلة البعض لهذه الحملة الشرسة ببرود عجيب.

# كما أن المقصود باللغة العربية أنها تعرب - اي توضح - عن مقصود المتكلم بها، ولذلك قالوا :(خطأ شائع خير من صحيح ضائع) . لاسيما وقد اشتهر الشعار من قديم وذاع فلايحسن ان ندخل - والأعداء يطعنون في ثوابت ديننا - في نزاع وصراع.
هذا فيما يظهر من حيث دلالات اللغة والأصول والعرف والمصلحة.

# وأما من حيث الدليل الشرعي فحسبنا ماصح عند مسلم، وهو من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه الطويل وفيه :
........... وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ جَعَلَ يُنَادِي: هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْدِفِي، قُلْتُ لَهُ: ((أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا))؟؛!! ، قَالَ: لَا، إِلَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلَأُسَابِقُ الرَّجُلَ، قَالَ: " إِنْ شِئْتَ " ........ الحديث .

* هذا واللْه أعلم وصلّىٰ اللّه علىٰ نبينا محمْد وعلىٰ آلهِ وصحبِه وسلّم.