السبت - 17 أكتوبر 2020 - الساعة 07:47 م
كعادتي في أغلب أيامي أعود من عملي إلى منزلي بعد الساعة الحادية عشر وأحياناً كثيرة بعد إنتصاف الليل كما جرى في هذه الليلة وبعض الأحيان يجرفني ارتباط العمل إلى السهر لإكمال العمل والمبيت في موقع العمل !!
هكذا جرى ولازال يجري روتين حياتي ربما لكثر الإرتباطات التي على عاتقي وربما هي رغبة جامحة في أعماقي لتحقيق مراتب المجد التي دأبت نفسي للوصول إليها منذ نعومة أظافري وربما هي محاولة مستميتة من عقلي وكياني لإلهاء وإشغال قلبي عن فرط المشاعر التي تتأجج بها روحي!
وأياً كان السبب فكل احتمال له نصيب كبير من الحال.
وكما أسلفت في مقدمة الحديث ، لقد عُدت من عملي هذه الليلة والساعة على مقربة من إنتصاف الليل ببضع دقائق وكوني منذ ما يقرب الثلاثة أشهر أتنقل بالمواصلات العامة بسبب توقفي عن إستخدام سيارتي لأسباب شخصية فقد وجدت عناء بالغ في العودة إلى منزلي خاصة أني سأعود من أطراف عدن الشمالية ( جولة السفينة ) إلى أطراف المدينة الجنوبية الأخرى ( ساحل أبين )
بدأت التنقل بما أستطيع من وسائل بغض النظر عن الوجهة فقد كان المهم عندي أن أبدأ بالتقرب من وجهتي الأخيرة
ركبت باص تلو الآخر إلى أن وصلت إلى آخر باص والذي تركني على مقربة أربعة كيلو من منزلي!
نزلت من الباص منتظراً باص آخر يمر في الخط الذي أبتغيه ولكن حدث شي خارج الخطة!!
فما أن ترجلت عن الباص الذي نقلني ووطأت قدماي الأرض حتى باغتتني بقوة!!
لقد باغتتني وكبلت قلبي وأجبرتني على السير برفقتها لكل المسافة التي تفصلني عن منزلي !!
لقد كان الطريق مظلماً للغاية بسبب إنطفاء المدينة لإنقطاع الكهرباء والمدينة خاوية على عروشها بسبب طغيان الليل المنتصف وهي الطقوس التي تأتيني بها وتباغتني دائماً وبلا أي إنذار مسبق فما إن أبقى وحيداً وبوضع يسمح لي بالخصوصية إلا وتأتيني وتجبر كياني على إعتناق روحها وتأدية طقوس أشواقها المرهقة لكل أعضائي !!
لقد اصطحبتني وسرنا سوية وبخطوات ثقيلة جدا وكأن قدمانا مكبلة بل بالفعل لقد كنا مكبلين!!
لقد سرت دون أن تتحرك شفتاي ودون أن تنطق لساني ببنط حرف
لقد كان كل ما بداخلي يتكلم وبمرارة إلا لساني التي عجزت أن تزاحم أعضائي المضطربة وهي تحكي مرارة شوقها وحنينها!
لقد روت عيناي كل الأشجار التي مررت عليها بالطريق ولكني أخاف على تلك الأشجار من الضمور بسبب فرط ملوحة ما رويتهم به.
لقد شعرت أن كل طاقات الكون تضطرب في داخلي وأنا أسير في تلك الخطوات الذابلة المميتة والتي إستغرقت مني الكثير من الوقت.
كنت مع كل خطوة أخطوها أقترب أكثر من منزلي وكانت تحاول إجباري على السير معها على وجهة غير وجهة منزلي وكأنها تريد أن توصلني إلى وجهة وطنها البعيد جداً
وكنت لا أبالي من السير معها إلى حيث تريد ولكن خوفي من عدم مقدرة جسدي المنهك بحبها والنحيل في غرامها لا يستطيع تحمل السير لمئات الكيلو مترات لكي نصل إلى حيث تريد.
إقتربت من منزلي وودع جسدي المسير ودخل المنزل وواصلا هي وروحي المسير معاً حيث لا أعلم أين هما الآن.
لله مافي المسير
ولله مافي الشعور
#حبر_سنيدي
15 Oct 2020