مقالات وكتابات


الثلاثاء - 11 أغسطس 2020 - الساعة 12:49 ص

كُتب بواسطة : وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب


يجري هذه الأيام لغط واسع في شارعنا المحلي حول اتفاق الرياض، فانصار الاتفاق من الجنوبيين أو بالأحرى مؤيدي المجلس الانتقالي، يرون في الاتفاق نصرا للجنوب برمته، ومقدمة لاستعادة دولته، بينما يرى المعارضون للاتفاق عكس ذلك تماما.
وأمام مجمل هذه الآراء وتلك والمتضادة أصلا، فأنني أحب هنا أن أطرح رأيي الخاص في سياق ذلك.

منذ اللحظة الأولى التي جرت فيها المفاوضات الطويلة والشاقة في جدة ثم الرياض، والتي سبقت عملية التوقيع هذه، أي قبل شهر نوفمبر من نهاية العام المنصرم، فقد وضعت رأيي وتقييمي للاتفاق ووصفته بالفخ الخطير الموضوع في طريق المتطلعين لاستعادة دولة الجنوب.

لهذا فهناك تهديدات ومحاذير عديدة لهذا الاتفاق استطيع أن أوجز اهمها:

الراعي لاتفاق الرياض نفسه الراعي للمبادرة الخليجية، وهو نفسه الممول والمشرف على مؤتمر صنعاء للحوار اليمني، مع اختلاف بسيط في لون القوى المشاركة في كل ذلك، فالمملكة هي المتبني لهذا الاتفاق، والموجه له ووجد ليتماشى مع مصالحها في هذا البلد، والتي لا يأتي الانفصال على رأسها.

لا يخفى على أحد حجم الضغوط التي مورست على قيادات الانتقالي، للكف عن التطرق للكثير من المسائل ، ومنها ما يتعلق بالمطالب ذات الطابع الانفصالي، فالمتأمل للاتفاق لا يلحظ من خلاله أي مؤشر للانفصال، وأنما نرى شراكة ائتلافية في حكومة وحدة وطنية، يشارك الجنوب فيها إلى جانب الشمال، فالنقطة الأهم التي يتطلع لها أبناء الجنوب والتي تتمثل في الشراكة في الثروة، من خلال تحديد حصة الجنوب منها، إلا إن ذلك لم يكن حاضرا في الاتفاق.

هناك أمر خطير قد يهدد الاستقرار في الجنوب ونسيجه الاجتماعي إذا ما قُدر له أن يحدث، وهو الخوف من احتمالية توظيف المملكة للمجلس الانتقالي واستخدامه لقمع المناوئين لأهدافها في الجنوب، فقد تبدت مؤخرا أهداف لا مشروعة، تسعى المملكة بقوة اليوم لتحقيقها على الأرض الجنوبية، من خلال الاستحواذ على الكثير من مقدرات هذه الأرض، الأمر الذي يلقى معارضة ورفض واسع بالداخل الجنوبي.

أخير هناك نقطة تبدو أكثر حساسية في الموضوع، إذ أنني من الآن اتوقع بعدم تماسك المجلس الانتقالي على المدى البعيد في ظل هذه المشاركة، فقد يشهد في مستقبل اندماجه في الحكومات المقبلة تصدعا ملموسا، وأعتقد أن المملكة تدرك هذا المتغير وتوليه أهمية قصوى، من خلال حرصها على إنجاح هذه المشاركة.

المتأمل لتركيبة المجلس الانتقالي يبرز أمامه تياران، تيار خرج من عباءة الحراك الشعبي الجنوبي المطالب بالانفصال، وتيار آخر انتمى للمجلس بعد سقوط حزب المؤتمر ويبدو أن التيار هذا بات مسيطرا على أكثر قرارات المجلس وتوجهاته والمحدد لشكل علاقاته، وهو في ذلك تيار لا يستهان به، فهناك احتمال أكيد باستحواذه على تشكيلة الانتقالي وحصته في الحكومات القادمة، وبالتالي سيطرته على كامل قراره، هذا التيار سيظهر المزيد من الاعتدال والمرونة مقابل تصلب التيار الآخر في المجلس. المملكة بدون شك ستوظف هذا التنوع الحيوي الذي سيشهده المجلس في قادم الأيام، وستحرص على دعم تيار الحماحم فيه الذي يساق بقوة خلف دعوات الشراكة في السلطة، بالوقت الذي قد نشهد فيه انسلاخ لتيار الصقور الذي يرفض الانجرار خلف مشاريع لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشارع الجنوبي.

هذا كله سيحدث بالوقت الذي استثنينا فيه هنا مستقبل تلك الشراكة فيما لو حدثت تفاهمات سياسية كبرى بين المملكة والحوثيين، وقبل الحوثيون بالدخول في الحكومة، واُتفق الجميع على عودة هذه الحكومة إلى صنعاء، عندها سنشهد متغيرات مهمة وأكثر فداحة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل السياسي للجنوب.

نتمنى على قيادة المجلس الالتفات للكثير من التحديات والمخاطر التي تقف في طريق الهدف المجيد للجنوبيين، وما يتعلق منها على وجه الخصوص بوحدة الصف والموقف. فالمرحلة الراهنة شديدة الحساسية وقد تحمل معها العديد من التداعيات إذا لم يُحسن استغلالها والتعاطي معها، لا سيما في ضوء التجاذبات والاستقطابات التي يعيشها البلد، وعنصر التنافر والاختلاف الذي بات سيد الموقف بين مختلف القوى.

والله على ما نقول شهيد.