مقالات وكتابات


السبت - 27 يونيو 2020 - الساعة 10:02 ص

كُتب بواسطة : إيمان ناصر - ارشيف الكاتب



أخذني الحنين إلى ماضي بيتنا الصغير والذي كان يجلس في محيطه أبي ويجمعنا حوله نتبادل الحديث بين السياسة والثقافة
وبين علوم الدين والمجتمع.
نختلف في أكثر الأحيان
ترتفع أصواتنا من الجدل
فكلا يريد إثبات أن وجهة نظره هي الصحيحة.
وغالبا ما كان هو الذي يغلبنا بالنقاش.
وحين كنا نغلبه أحيانا، يعترف بالخسارة
ويعجبني فيه ذلك.
ابي رجل مثقف رغم أنه لم يلتحق بالتعليم ولكن بثقافته كان يعجز امامه خريجي الجامعة.

كانت الساعات التي نجتمع فيها نستفيد منها كثيرا.
تعلمت القوة في المخاطبة من أبي الذي غرس فينا أسلوب الديمقراطية،
ولا يفرق بين ذكر وأنثى
كنا سواسية في النقاش
سواسية بالتعامل
سواسية بالمحبة
مما جعلني أكثر قوة عن غيري.
تعجبني طقوس الشورى في بيتنا، فعند إصدار قرار عن موضوع ما. لابد أن يأخذ رأي كل واحد منا يبدأ من الكبير وصولا للصغير.
فقد تكون لكل منا وجهة نظر تختلف عن الآخر وتفاديا من الاصطدام والاختلاف كان الشورى هو الفصل بين الجميع وكأننا في لجان التصويت.


بيتنا الصغير
كان لعابر السبيل
وللقريب والغريب
كانت ابوابه مفتوحة نستقبل الجميع بكل رحابة صدر
ونكرم الضيف.
لم يكن يعجبني هذا الشيء كوني احب الهدوء
ولدي طقوس خاصة، ولم يكن يوجد في بيتنا خصوصية من كثر توافد الناس فيه.
ولكن ابي استطاع ببساطة أسلوبه ان يقنعني على محبة ذلك وغرسه في داخلي واعتدنا عليه.
وهكذا نشأنا وتربينا وكبرنا على إكرام الضيف
وحب القريب
وإعانة الغريب
ومساعدة عابر السبيل.
حتى أصبحت هذه المكارم راسخة وبكل حب في داخلي كيف لا.. وهي أخلاق أبي ودروسه وتربيته لنا.
وها انا حصاد بذرة بيتنا الصغير التي زرعها أبي وكان يسقيها .قد أصبحت اليوم شجرة شامخة مثمرة جميلة لها غصون تتمايل بفرح.


بيتنا الصغير
لم يكن فيه مكان للسهر
كان يسير على نظام يمنع تخطيه لأي سبب من الأسباب.
كنا ننام بعد محاضرة تبدأ بعد صلاة العشاء وبعد أن نتناول طعامنا ونجلس قبال أبي نستمع منه أجمل القصص عن شجاعة أجدادنا وتقاليدهم التي لم يعد لها وجود.
وكنت ابتسم من مواقفهم النبيلة وشجاعتهم التي بلا شك اليوم نفتقدها والتي تهاب منها الأسود، والتي تأثرت بها كثيرا
وصرت قوية لدرجة كبيرة،
لا أخاف شيئاً،
لا أكترث للعواقب التي قد أواجهها.
أعيش جنون المغامرات
و خوض التجارب الصعبة.
اعشق التحدي الذي صار بالنسبة لي هواء اتنفس من خلاله.
أشعر بسعادة حين اربح واكسب الرهان في أي مجال.

في بيتنا الصغير
نستيقظ في الصباح الباكر
بكل حيوية ونشاط
وتمضي الساعات بين العمل
كلا منا يعلم ما يجب عليه أن يقوم به.
لقد افتقدنا كثيرا لبساطة بيتنا الصغير
بيت الحماس والحيوية والمحبة والالفة
وكانت فيه النفوس تتحمل أثقاله.

جميعنا حقا نشتاق لتفاصيل كانت بالماضي
اشياء لايكترث لها اكثر الناس الا بعد فقدانها.
كلا منا يحن لتلك البساطة.

أين أنت أيها الزمان الذي كان:
طاهراً كالندى
نقياً كالغمام
صافياً كالسماء
لا يوجد أجمل من ماضٍ
كنت فيه طفلاً صغيراً
لا تحمل أعباء على عاتقك
ولا تسكن هموم في داخلك
ولا تتطلع لغير اللهو واللعب
يالها من ايام، كلا منا يحن لها.

صدق الفنان علي بن محمد حين قال:

ياليت ان الزمان " يرجع ورا و الا الليالي تدور

ويرجع " وقتنا الأول " وننعم في بساطتـــــــــنا