مقالات وكتابات


الأحد - 01 يوليه 2018 - الساعة 08:48 م

كُتب بواسطة : د. علي عبدالله الدويل - ارشيف الكاتب


انتشرت ظاهرة الغش في الامتحانات إلى الحد الذي جعلها عادة مألوفة يمارسها السواد الأعظم من التلاميذ، ويصنف الراغب عنها في حكم الشاذ الذي لا يعتد به، وقد تطور الأمر إلى الإبداع والتفنن في ابتكار الوسائل والطرق "الحديثة" التي لم تخطر من ذي قبل على بال أحد من العالمين، ولأن ما يتكرر يتقرر فقد صارت هذه الآفة جزءا من "الممارسة البيداغوجية"، بل تحولت إلى صاحبة الشأن الأول التي يتبتل التلميذ في محرابها الساعات الطوال تفكيرا وتنظيرا وممارسة، حتى وصل إلى درجة الكمال والبلوغ في الاهتداء إلى أنجح السبل وأكثرها تطورا، مسجلا بذلك براءات اختراع مبهرة.

ولعل نظرة فضولية إلى طوابير التلاميذ المقبلين على محلات النسخ قبيل الامتحانات تظهر بجلاء "حيوية هذه السوق" التي تكيف تجارها مع واقعها، وكونوا أنفسهم ليواكبوا مستجداتها، وينالوا رضا زبنائهم ، وكل هذه "الدينامية"تجري أمام أنظار السلطات العمومية التي تكتفي بالتفرج السلبي على المشهد، كأنها لاتدري أن حرمة القانون تنتهك بهذا السلوك المخل بالأمن التربوي، وتستوجب الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء "التجار" الذين يشيعون الفاحشة في أرض التربية والتعليم بضمائرهم الميتة وجيوبهم الجشعة.

إن الانتشار الواسع لهذه الظاهرة أكسبها شرعية الفعل، وأسقط عن ممارسيها الشعور بالإثم الذي يحيك في القلب ويحجز من يهم به عن إتيانه خشية أن يطلع عليه الناس، فصار التباهي سمة المقدم عليها، وإنتاج الأبطال والفرسان نهاية حلبتها.

هذه الظاهرة لم تنبت كما ينبت الفطر، ولم تأت من فراغ، وإنما وجدت التربة الخصبة التي جعلتها تضرب بجذورها في أعمق أعماق المدراس اليمنية ، وتلقي بظلالها الوارفة على الساحة التعليمية .

وفيما يلي بسط لبعض الأسباب التي ساهمت في استفحالها وتجدرها:

1ـ بحث التلميذ عن السهل البسيط : تميل النفس الإنسانية إلى ما يجلب لها اللذة والمتعة، وإن كان سيعود عليها بالضرر والمشقة بعد حين، وتنفر من كل مامن شأنه أن يسبب لها الألم، وإن كانت فيه مصلحة ظاهرة، وهذا ديدن تلاميذنا الأعزاء الذين طلقت نسبة كبيرة منهم المذاكرة لما تسببه من ألم ظاهر وإشغال عن متعة اللهو والعبث، دون أن يدركوا ـ للأسف الشديد ـ أن هذا الذي يرونه عذابا وألما فيه بناء ودعامة لشخصياتهم المستقبلية التي هي قيد التشكل ٠

فوراء كل إنسان عظيم أزمة عميقة، وجرح غائر، وألم مضن.

يقول أليكس كاريل:'''لا يستطيع الرجل تغيير نفسه بدون ألم... فهو نفسه الرخام، وهو نفسه النحات'''.


تريد لقيان المعالي رخيصة...... ولا بد دون الشهد من إبر النحل

2ــ تساهل الإدارة التعليمية:ينص النظام التربوي على جنحية الغش، وقد صدرت بهذا الصدد مجموعة من المذكرات الوزارية التي تحث على الحد من الغش وزجر الغشاشين، ويدخل في هذا الإطار"دليل المترشح والمترشحة لامتحانات البكالوريا" الصادر عن وزارة التربية الوطنية ، الذي توعد التلاميذ الغشاشين بعقوبات صارمة بعقوبات صارمة قد تصل إلى السجن، معتبرا الغش ""خرقا سافرا للضوابط والقواعد التي تنظم الامتحانات، وإخلالا بالتعاقد التربوي والأخلاقي القائم بين التلميذ وزملائه وأساتذته، ويتنافى مع القيم التربوية والأخلاقية التي تسعى المدرسة إلى إرسائها داخل المجتمع…""

نداء ومناشدة: أحبابي التلاميذ أحرقوا السفن.

حينما عبر القائد طارق ابن زياد البحر في طريقه لفتح الأندلس، أمر بإحراق السفن، حتى يضع جنوده أمام الأمر الواقع، ليجعل تفكيرهم منحصرا في شيء واحد لاثاني له، ألا وهو تحقيق النصر، لأنه لو ترك السفن فربما كان جنوده سيتركونه بعد أن يحمى وطيس المعركة، ويفرون راجعين من حيث أتوا، هذه الواقعة التي تشهد على ذكاء الرجل، أنتم أحبابي التلاميذ أحوج ما تكونون إلى اعتمادها، رجاء أحرقوا كل مشوش من شأنه أن يجعل عقولكم تفر هاربة من مواجهة مصير معركة الامتحان، لا تنسوا أن الصدمة الأولى عند القراءة الأولية لأسئلة الامتحان أمر بدهي ، حتى ولو كانت الأسئلة في منتهى البساطة والسهولة، وذلك بمثابة الصفعة تبادرنا بها ورقة الامتحان ، وفي هذه الحالة إما أن نستسلم ونفر هاربين مفوضين الأمر إلى جنود ضعاف (ماسميناه المشوشات)، وإما أن نمتص الصدمة ، ونعيد القراءة مرات عديدة، مرسلين إلى عقلنا الباطن رسالة مفادها ألا أحد سيحارب بدلا عنه ، وتأكدوا في هذه الحالة أن الأجوبة ستأتيكم تباعا وتنتال عليكم انتيالا.